إشراقة الصفات

إن صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها في نفس المؤمن إشراقة روحية يحس بها من صفا بالإيمان قلبه، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه، وتلذذ بالمعرفة بربه شعوره الداخلي ووجدانه. وهذا النور لا يتأتى من العلم وحده، فكم من عالم قوي الحجة باهر البرهان، فصيح اللسان، واسع الاطلاع، ومع ذلك تجده مغلق القلب، مصمت الحس، جامد المشاعر، همه من العلم الاحتراف به، وغاية بيانه أن يأكل الدنيا بدينه. وأن يظهر في الناس علما مرموقا يشار إليه، وأنت لا تشعر بأنه عالم إلا حين يتكلم في العلم، فإن تكلم في غيره فإن أحدا لا يجد انطباعات علمه في لسانه، كما لا تجدها في عمله وأخلاقه ومعاملاته. فهو يصلح أن يكون في العلم ورقة، أكثر مما يصلح أن يكون فيه قدوة.

وأخشى ما أخشاه على من درس علم التوحيد أن يصير بذلك ورقة علم لا أكثر، وأن تقف استفادته منه عند حد الفهم وإزالته الشبه لا يعدوها.

والذي أرجوه وأضرع إلى الله به أن يجعل العلم بصفاته تعالى نورا يغمر القلب. ونشوة تملأ الوجدان. وسعادة تسري في كيان المؤمن.

فإن المؤمن الذي يوقن بأن الله تعالى متصف بكل كمال. منزه عن كل نقص، وبأنه تعالى موجودا لا أول له، وباق بقاء لا نهاية له، وبأنه لا يشبه خلقه في شيء، وهو غني بذاته غناء مطلقا عن كل ما سواه، وأن كل ما سواه حادث ومحتاج في وجوده إليه تعالى: إن من يوقن بذلك يسعد سعادة لا حد لها لأنه يدرك أنه على ما فيه من نقص قد خلقه إله كامل. وعلى ما فيه من ضعف فهو مربوب لرب قوي. وأن سنده وملجأه في دنياه وأخراه إله منه الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، فلا يليق به أن يذل لغير ربه، أو أن يخضع لغير خالقه وموجوده ومالك أمره، فهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015