وعلى ذلك يكون بين نزول الآيات الأولى من السورة والآيات الأخيرة فيها عام.

ويؤيد ذلك أيضا ما ذكره ابن أبى حاتم حيث قال: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة، عن مسعر، عن سمّاك الحنفى سمعت ابن عباس يقول: أول ما نزل أول «المزمل»، كانوا يقومون نحوا من قيامهم فى شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة، وهكذا رواه ابن جرير وقال الثورى ومحمد بن بشر العبدي كلاهما عن مسعر، عن سماك، عن ابن عباس: كان بينهما سنة، كما روى ابن جرير عن أبى كريب، عن وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن قيس بن وهب عن أبى عبد الرحمن قال: لما نزلت: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، حتى نزلت فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: 20]، قال: فاستراح الناس، وقال هذا أيضا الحسن البصرى والسدى (?).

وفى أسباب نزول السورة الكريمة نجد رواية جابر والتى أوردها ابن كثير فى تفسيره وفيها يقول: اجتمعت قريش فى دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسما يصد الناس عنه. فقالوا: كاهن، قالوا: ليس بكاهن، قالوا: مجنون، قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر، فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبى صلّى الله عليه وسلم فتزمل فى ثيابه وتدثر فيها. فأتاه جبريل عليه السّلام فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (?).

والمزمل هو المتغطى بثيابه كالمدثر، وهذا الوصف قد حصل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل نزول هذه السورة الكريمة فى أول لقاء جبريل عليه السّلام برسول الله

صلّى الله عليه وسلم فى غار حراء على التفصيل الذى جاء فى رواية الإمام البخارى رحمه الله، حيث عاد النبى صلّى الله عليه وسلم إلى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها يرجف فؤاده ويقول: «زملونى. زملونى» كما أن المزمل تتسع كذلك لتشمل معنى المتزمل للنبوة؛ أى المستمر المجد فى أمرها (?).

وعلى الأمرين فإن السورة الكريمة تنزل؛ لتدعم الشخصية المحمدية فى مواجهة ما يحيط بالرسول الكريم من تحديات، فالأمر قد انتشر واشتهر وظهرت الأحقاد واشتدت الخصومات، وظهر الكيد والتدبير من المعاندين، ولا بدّ من تبصير النبى صلّى الله عليه وسلم بطبيعة الأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015