الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وعلى ذلك يكون ذكر المساجد هنا يعنى المواضع التى بنيت للصلاة فيها، وقال الحسن: أراد بها كل البقاع؛ لأن الأرض كلّها مسجد، وقال سعيد بن المسيب: أراد بالمساجد الأعضاء التى يسجد عليها العبد وهى القدمان والركبتان واليدان والجبهة، يقول هذه أعضاء أنعم الله بها عليك فلا يسجد بها لغيره فتجحد نعمة الله.

أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما فى قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال: لم يكن يوم نزلت هذه الآية فى الأرض مسجد إلا المسجد الحرام، ومسجد إيلياء ببيت المقدس.

وتذكر الآية الكريمة بعد ذلك كيف كان ازدحام الجن على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو يعبد ربّه ويقرأ القرآن الكريم، وفى هذا توجيه للإنس للإقبال على القرآن الكريم وسماعه، قال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19).

أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال: لما سمعوا النبى صلّى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى آتاه الرسول فجعل يقرئه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ وأخرج عبد بن حميد والترمذى وصححه وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء فى المختارة عنه أيضا فى الآية قال: «لما أتى الجنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يصلى بأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه، فقالوا لقومهم: لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا.

ثم تذكر الآية بعد ذلك التأكيد على توحيد الربوبية والألوهية فى هذا الأمر الإلهى فى قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً وأنه لتخليص هذا التوحيد فلا يعتقد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يملك لأحد ضرا ولا رشدا، قال تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) وسبب نزول هذه الآية: أن كفار قريش قالوا للنبى صلّى الله عليه وسلم: إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذ فنحن نجيرك قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) أى لا أقدر أن أدفع عنكم ضرا، ولا أسوق إليكم خيرا كما تؤكد آيات السورة الكريمة أن الناس جميعا أمام الله فى الطاعة والمعصية سواء، وأن مهمة الرسول صلّى الله عليه وسلم هى البلاغ. وعلى ذلك فتكون آيات سورة الجن لتخليص المخلوقين: من الجن والإنس من كل شوائب الشرك والتعلق بغير الله رغبة ورهبة، قال تعالى: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015