هجومهم عليها يدل على قلتهم وبساطة شأنهم. ويمكن أن نتجاوز هنا عن أن قبائل خولان التى ذكرت مع المهاجمين السبئيين قد عاشت هي الأخرى على أطراف الجنوب، وأن تاريخ نجاة القافلة متأخر عن تاريخ إنشاء دولة سبأ الجنوبية بأجيال كثيرة.

سادسًا: جمعت بعض النصوص السبئية بين اسم سبأ واسم يقرأه هومل يهبليح ويراه مرادفًا لاسم دقلة وأنه يدل على منطقة الجوف في شمال شبه الجزيرة كما جمعت بينه وبين اسم يقرأه هومل أيضًا بيشان أو فيشان ويراه مرادفًا لاسم وادي الدواسر أحد أودية الشمال أو أودية الجنة على حد تعبيره.

غير أنه يبدو أن هذا الاستنتاج لا يزال هو الآخر قرين الظن إن لم يكن قرين الافتعال، وكل ما يمكن قوله الآن هو أن اسم يهبليح قد استعمل كذلك للدلالة على قبيلة عاشت حول صرواح أقدم عواصم سبأ في الجنوب، وأن اسم بيشان إن دل على وادي الدواسر أو وادي بيشة فهو أقرب إلى حافة الربع الخالي، وإن دل على قبيلة عاشت حول صرواح أيضًا وانتسب إليها أوائل الحكم السبئيين.

سابعًا: يرى هومل أن اسم مأرب (أو مريب) الذي اشتهرت به عاصمة سبأ الجنوبية (بعد صرواح) ذو صلة بلفظ أريبي الذي أطلقه الآشوريون على أعراب شمال شبه الجزيرة وبادية الشام، ولفظ يارب الذى أطلقته عليهم بعض نصوص التوراة، وذلك مما يعني في رأيه أن السبئيين كانوا من الأقوام الشماليين الذين عناهم الآشوريون والعبرانيون، فلما انتقلوا إلى الجنوب أطلقوه على عاصمتهم.

ولكن يلاحظ على هذا الاستنتاج أن السبئيين في الجنوب لم يتخذوا مأرب عاصمة لهم منذ بداية أمرهم أي في الوقت الذي كانوا يستطيعون أن يتذكروا فيه أصلهم ويخلدوا ذكره، وإنما اتخذوا أولى عواصمهم في صرواح قبل أن ينتقلوا إلى مأرب بعشرات السنين. وهم لم يصفوا أنفسهم صراحة في نصوصهم المكتوبة بتسمية عرب أو أعراب المرادفة لتسمية أريبي الآشورية. بل ولم يستعملوها إلا في عهود متأخرة نسبيًا ليصفوا بها أعراب الجبال والوديان التابعين لدولتهم، وذلك في حدود ما هو معروف حتى الآن من نصوصهم.

ثامنًا: نبه هومل وأصحابه إلى أن اللهجة السبأية هي أقرب اللهجات الجنوبية صلة بلغة القرآن العربية الشمالية. وفي ذلك قرينة لطيفة لا تنكر، لولا أن هذه الصلة يمكن أن تفسر من ناحية أخرى باستمرار النصوص السبأية الحميرية حتى عهد نزول القرآن الكريم أكثر مما عداها من بقية النصوص الجنوبية الأخرى، وأن عامل الزمن كان له أثره في التقريب بين لهجات عرب الجنوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015