الذي لا يكتفي بتسجيل صور من الشر العامي في عصره بل يدافع عن مستواه الفني؛ ولما كان كل قطر قد استقل بلهجته وذوقه، لم يعد في الإمكان أن يستطيع ناقد واحد الحكم على نتاج تلك الأقطار، لابد من تعدد النقاد، بعد أن تعددت البلاغة، وأصبح الأندلسي لا يستطيع أن يتذوق البلاغة في شعر أهل المغرب، والمغربي يعجز عن إدراك البلاغة، وأصبح الأندلسي لا يستطيع أن يتذوق البلاغة في شعر أهل المغرب، والمغربي يعجز عن إدراك البلاغة التي فيشعر أهل الأندلس والمشرق وهكذا؛ إنما تذوق البلاغة لا يتم غلا بمعرفة اللهجة وإتقانها والاطلاع على طرق استعمالها (?) . ترى هل كان يحس ابن خلدون وهو يصور الواقع يومئذ انه يلغي مهمة الناقد " الكلاسيكي "؟ وهل كان في مقدور البيئات الشعبية أن تخرج ناقداً يضع القواعد والأحكام لتلك الفنون الشائعة يومئذ؛ أم أن الأمر ظل رهن التذوق العام الذي يعجز عن التعليل؟ إن ابن خلدون نفسه أرخ بعض أنواع ذلك الشعر، وأورد نماذج منه، واكتفى في الاتكاء على الذوق؛ حتى وهو يتحدث عن الفرق بين موشحات الأندلس وموشحات المشارقة. لم يجد ما يقوله غير الحكم العام وهو أن " التكلف ظاهر على ما عانوه (أي المشارقة) من موشحات " (?) . غير أنه بكل ذلك قد كشف عن جوانب القصور في الحركة النقدية عامة، وعن تطور الفنون الجديدة بمعزل عن النقد جلة، سوى استحسان الجمهور لها أو نفوره عنها.

ونلحظ من مجموع آراء ابن خلدون في النقد أن آراءه مستمدة من تجربته الخاصة ومن التيار العربي الخالص في النقد الأدبي، وأنها موصولة بمفهوماته الاجتماعية، وليس لها صلة بالمؤثرات اليونانية أو حتى بالمفهومات الكبرى عند حازم التي تمثل تزاوجاً بين التيارين النقديين: العربي الخالص

طور بواسطة نورين ميديا © 2015