فلسفة ديكارت؛ ويجمع كانت بين المذهبين الحسي والعقلي في محاولة قوية لتفسير العلم والوجود تجعل منه فيلسوف ألمانيا الأكبر، وتسيطر على العقول إلى أيامنا. وبينا يبدو القرن الثامن عشر عصر تحليل دقيق ونقد عنيف، إذا بالنصف الأول من القرن التاسع عشر، موضوع الباب الرابع، يعمل على التركيب والبناء في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا على السواء: تظهر في ألمانيا فلسفات ضخمة صاخبة تحمل أسماء فختي وشلنج وهجل وشوبنهور، ويتعمق الفرنسيون في دراسة الحياة النفسية وشرائطها بحيث يترتب على هذه الدراسة حلول في سائر النواحي، كما فعل مين دي بيران، أو يستوعب أوجست كونت جميع النواحي في مذهب واحد يصدر عن الواقعية؛ ويحاول نفر من الإنجليز، أبرزهم هاملتون تصحيح المذهب الحسي بالفلسفة الألمانية. ثم ينقلب الحال في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، موضوع الباب الخامس، فينشب صراع بين المادية وقد وجدت أسلحة جديدة في نظرية تطور الأحياء، وأنصارًا عديدين في ألمانيا وإنجلترا، أشهرهم دروين وسبنسر، وبين الروحية يؤيدها فلاسفة فرنسيون. ويستمر هذا الصراع في النصف الأول من القرن العشرين, موضوع الباب السادس والأخير، ويمكن القول: إنه لن ينتهي, ولكن الروحية العصرية عرجاء ناقصة، فإن الفلسفة الحديثة في جملتها لا تؤمن بالعقل ومعانيه ومبادئه، ولا تؤمن بجواهر ثابتة حتى تقول بنفس خالدة, وإله شخصي مفارق للطبيعة. فالروحانية مفتقرة في الواقع إلى فلسفة وجودية موضوعية كفلسفة أرسطو، ولا ندري ما إذا كانت العقول العصرية تأخذ أنفسها بمثل هذه الفلسفة، أو تمضي في محاولاتها العقيمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015