ج- يقول بوهمي: حيث لا يوجد شيء لا يولد شيء؛ فلا بد أن يكون لكل شيء حتى للشر، أصل أزلي في الله خالق الأشياء، وأن يكون الله منطويًا على كثرة هي الينبوع الخفي للحياة الكلية، إذ كيف يمكن تفسير الكثرة بالوحدة المطلقة، وليس في الوحدة المطلقة شيء تريده ما دامت وحدة. فالله "نعم ولا، نور وظلمة" أي محبة هي أصل الخير والنعيم، وغضب هو أصل الشر والجحيم. هذا الازدواج شرط كل حياة لكي تتطور ويتميز أحد الضدين بالآخر، وفي جميع الموجودات بلا استثناء صراع بين مبدأين متضادين, والله في ذاته آب وابن وروح قدس: الآب إرادة وقدرة، والابن موضوع قدرة الآب؛ فالآب بدون الابن إرادة بدون موضوع، هاوية وموت ولا وجود. فالله الابن هو الإرادة الإلهية ولها موضوع سرمدي لامتناهٍ، هو النور الذي ينير الوجود الإلهي. وأخيرًا الإشعاع المتصل للنور، وتعبير الإرادة عن الحكمة، ذلك هو الروح القدس.

د- والإرادة الإلهية، إذ تتأمل كمالها، تحس شوقًا شديدًا إليه، فينشأ التقابل بين الإرادة والكمال، بين النور والظلمة، بين الخير والشر، أي: الإرادة والشوق منفصلين عن الحكمة والمحبة. ثم تنقسم كل من هاتين الوجهتين من الله، ويتولد عن هذا الانقسام سبع ماهيات هي الأصل المشترك للكون، وتجري المادة في الفضاء، ويتكون العالم على ما نشاهده، ويوجد فيه الصراع والقلق فما الطبيعة إلا مظهر الله، أو ما الله بالإضافة إلى الطبيعة إلا بمثابة النفس بالإضافة إلى الجسم. ماهية الله وقدرته تبدوان في كل شيء وفينا نحن, إنا نحيا في الله ويحيا الله فينا، ومتى كنا أطهارًا كنا الله, وبين الطبيعة المنظورة والله، طبيعة غير منظورة صادرة عن الله مباشرة، وحاوية جميع الماهيات والكيفيات الأساسية، هي الابن موضوع قدرة الآب، وعنها تصدر الطبيعة المنظورة، فتصير الماهيات والمثل موجودات وظواهر.

هـ- وإذن فقد كان الشر قبل الإنسان، وانحدر إلى طبيعته، ولكن لله قلبًا يعمل باتصال على دفع الشر، وما علينا إلا أن نشق طريقنا "ونخترق الغضب" لنبلغ إلى المحبة، فإن الشر فينا إرادة الانفصال من تناسق الكل، وإرادة أن نصير كلا ونحن في الحقيقة جزء، وهكذا تحل المشكلة بالكشف عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015