الباب الثالث: تحليل ونقد القرن السامن عشر

مدخل

...

الباب الثالث: تحليل ونقد "القرن الثامن عشر"

62 - تمهيد:

أ- أظهر ما يبدو للناظر في فلاسفة القرن الثامن عشر اشتراكهم في التحليل والنقد؛ تحليل المعرفة ونقد العقل والدين والنظم الاجتماعية والسياسية. فأما نقد العقل فيستند إلى المذهب التصوري من جهة، وإلى المذهب الحسي من جهة أخرى. مبدأ المذهب التصوري أننا لا ندرك سوى أفكارنا، فيبقى كل ما عدا الأفكار موضع بحث كما كان عند ديكارت والذين جاءوا بعده. ومبدأ المذهب الحسي أن لا قيمة للمعاني المجردة، فينتج أن لا قيمة لما بعد الطبيعة. وكان نيوتن قد عرض علمًا خالصًا من الميتافيزيقا, فأعجب به كثيرون واتخذوا منه ومن الحسية دعامتين أقاموا عليهما المادية، وصنعوا بديكارت مثل ما صنع هو بأرسطو فبددوا آراءه الفلسفية والعلمية جميعًا. وأما نقد الدين فيصدر عن المواقف السابقة، وقد كثرت الكتب الباحثة في الدين الطبيعي خلال القرن. وأما نقد النظم الاجتماعية والسياسية فتابع للمواقف السابقة كذلك, وللنزوع العام إلى الحرية.

ب- والفلاسفة كثيرون في هذا القرن؛ لذا رأينا أن نقسم هذا الباب إلى ثلاث مقالات: تتناول المقالة الأولى الفلسفة في إنجلترا، وتتناول الثانية الفلسفة في فرنسا, وتعرض الثالثة مذهب كانت وهو فيلسوف ألمانيا الأكبر، وهو وحده في عصره يضارع كبار فلاسفة القرن السابق؛ أما سائر معاصريه فنلاحظ فيهم انحطاطًا فلسفيًّا واضحًا. نلاحظ أفكارًا ساذجة في أسلوب سهل قليل الاصطلاحات, أقرب إلى الأدب منه إلى الفلسفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015