-نهَاوَنْد

وَقَالَ النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ الأَقْرَعِ قَالَ: زَحْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ زَحْفٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قط، زحف لهم أَهْلُ مَاه وَأَهْلُ أَصْبَهَانَ وَأَهْلُ هَمَذَانَ وَالرَّيِّ وَقَوْمَس وَنَهَاوَنْد وَأَذَرْبِيجَان، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رضي الله عنه فَشَاوَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْتَ أَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَعْلَمُنَا بِأَهْلِكَ. فَقَالَ: لأَسْتَعْمِلَنَّ عَلَى النَّاسِ رَجُلًا يَكُونُ لأَوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلْقَاهَا، يَا سَائِبُ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَلْيَسِرْ بِثُلُثَيْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلْيَبْعَثْ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ غَنِيمَةٍ، فَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَحُذَيْفَةُ الأَمِيرُ، فَإِنْ قُتِلَ حُذَيْفَةُ فَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ قُتِلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ فَلا أَرَاكَ.

وروى علقمة بْن عبد الله المُزَنيّ عَنْ معقِل بْن يسار أن عُمَر شاور الهُرْمُزان في أصبهان وفارس وأذربيجان؛ فأيتهن يبدأ، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحدُ الجَنَاحَيْن مال الرأسُ بالجناح الآخر، وإنْ قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عُمَر المسجد فوجد النُّعْمَان بْن مُقَرِّن يصلّي، فسَرَّحه وسرَّح معه الزُّبَيْر بْن العَوَّام، وحُذَيْفَة بْن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معدي كرب، والأشعث بْن قيس، وعبد الله بْن عُمَر، فسار حتى أتى نَهَاوَنْد، فذكر الحديث إلى أن قَالَ النُّعْمَان لمّا التقى الجمعان: إنْ قتلت فلا يلوي علي أحد، وإني داعي الله بدعوةٍ فأَمِّنُوا. ثُمَّ دعا: اللَّهُمَّ ارزقني الشهادة بنصر المُسْلِمين والفتح عليهم، فأمَّن القوم وحملوا، فكان النُّعْمَان أول صريع.

وروى خليفة بإسنادٍ قَالَ: التقوا بنَهاوَنْد يوم الأربعاء، فانكشفت مجنبة المُسْلِمين الْيُمْنَى شيئًا، ثُمَّ التقوا يوم الخميس فثبتت الَمْيمنة وانكشف أهلُ المَيْسَرة، ثُمَّ التقوا يوم الجمعة فأقبل النُّعْمَان يخطُبُهم -[125]- ويحُضُّهم على الحملة، ففتح الله عليهم.

وَقَالَ زياد الأعجم: قدِم علينا أَبُو موسى بكتاب عُمَر إلى عثمان بْن أبي العاص: أمّا بعدُ، فإنّي قد أمْدَدْتُك بأبي موسى، وأنت الأمير، فتطاوَعَا، والسّلام. فلمّا طال حصار إصْطَخْر بعث عثمان بْن أبي العاص عدّة أمراء فأغاروا على الرَّساتيق.

وَقَالَ ابن جرير في وقعة نَهَاوَنْد: لمّا انتهى النُّعْمَان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حَسَك الحديد، فبعث عيونا فساروا لا يعلمون، فزجر بعضُهم فَرَسَه وقد دخل في حافره حَسَكةٌ، فلم يبرح، فنزل فإذا الحَسَك، فأقبل بها، وأخبر النُّعْمَان، فَقَالَ النُّعْمَان: مَا ترون؟ فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك، فتأخر النُّعْمَان، وكَنَسَت الأعاجم الحسك وخرجوا، فعطف عليهم النُّعْمَان وعبّأ كتائبه وخطب النَّاس، وَقَالَ: إنْ أُصِبْتُ فعليكم حُذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بْن مكشوح، فوجد المُغِيرَة في نفسه إذ لم يستخلفه، قَالَ: وخرجت الأعاجم وقد شدُّوا أنفُسَهم في السلاسل لئلَّا يفرُّوا، وحمل عليهم المسلمون، فرُمي النُّعْمَان بسهمٍ فقُتِل، ولفَّه أخوه سويد بْن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله عليهم، ودفع الراية إلى حُذَيْفَة.

وَقَتَل اللَّهُ ذا الحاجب؛ يعني مقدِّمَهم، وافتُتِحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة.

وبعث عُمَر السَّائب بْن الأقرع مولى ثقيف - وكان كاتبًا حاسبًا - فَقَالَ: إنْ فتح اللَّهَ على النَّاس فاقسم عليم فَيْئَهم واعْزِلِ الْخُمْسَ. قَالَ السائب: فإني لأقْسِم بين النَّاس إذ جاءني أعجميٌ، فَقَالَ: أتُؤَمِّنَني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يزْدَجِرد يكون لك ولصاحبك؟ قلت: نعم، وبعثت معه رجلًا، فأتى بسَفَطَيْن عظيمين ليس فيهما إلا الدُّر والزَّبرجد واليواقيت، قَالَ: فاحتملتُهما معي، وقدِمْتُ على عُمَر بهما، فَقَالَ: أَدْخِلْهُما بيت -[126]- المال، ففعلت، ورجعت إلى الكوفة سريعًا، فما أدركني رسولُ عُمَر إلَّا بالكوفة، أناخ بعيره على عرقوب بَعِيري، فَقَالَ: الْحَقْ بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال: ما لي ولابن أمّ السائب، وما لابن أمّ السائب ولي، قلت: وما ذاك؟ قال: والله ما هو إلا أن نمت، فباتتْ ملائكةٌ تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارا، يقولون: " لَنَكْوِيَنَّك بهما "، فأقول: " إني سأقسِمُهما بين المُسْلِمين "، فخذهما عني لا أبا لك، فالحق بهما في أُعْطية المُسْلِمين وأرزاقهم، قَالَ: فخرجتُ بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغَشِيني التُّجَّار، فابتاعهما مني عمرو ابن حُريث بألفي ألف درهم، ثُمَّ خرج بهما إلى أرض العجم فباعها بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهلِ الكوفة مالًا.

وفيها سار عمرو بْن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار.

وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وملقية، وغير ذلك. وأبو هاشم من مسْلَمَة الفتح، حسُن إسْلامُه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها.

رَوَى عَنْهُ: أَبُو هُريرة، وسمرة بْن سهم. وهو خال معاوية، شهِد فتوح الشام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015