واستدعاني قائد السرية قبيل انتهاء الدوام الرسمي، وبلّغني بأن الكتيبة ستقيم وليمة التعارف والاستقبال في دار الضباط مساء؛ فلم أستطع التخلف عن حضورها، لأنها أقيمت من أجلي وأجل خمسة ضباط آخرين جدد، هم زملاء دورتي في الكلية العسكرية ومدرسة الخيالة.

وقبل أن يسمح لي قائد السرية بالانصراف، غمز عينيه وهو يبتسم ابتسامة الواثق بنفسه ويقول: "لعلك تراجع فكرك اليوم، ولعلني أهديك إلى سر الحياة".

وشهدتُ الحفلة مع زملائي في الوقت الموعود، وقَدِمَ قائد الكتيبة يتبختر، فاستقبله الضباط وقوفاً، ثم قَدّم إليه قادة السرايا ضباطهم الجدد، وقدَّمني قائد سريتي قائلاً: "الملازم ضابط خام، يدعي أنه لم يذق طعم الخمر في حياته".

وقال قائد الكتيبة: "كيف يكون في سلاح الفرسان ولا يعاقر

الخمر؟! هذا غير معقول".

وتحرَّج موقفي، وتجمّع الضباط من حولي يرجونني ويطالبونني، ثم يلحون ويلحون، وجاء قائد الكتيبة وقد ملأ كاساً بالخمر، وأمر أن أبدأ صفحة جديدة من حياتي العسكرية بشرب المدام، وأن أتخلى عن تزمُّتي لأصبح ضابطاً حقاً ... ثم أقسم بشرفه العسكري أن أفعل، وأقسم قائد سريتي ألا أرد يد القائد الهمام!.

وكان الليل البهيم قد أرخى سدوله، وكانت السماء صافية تتلألأ على صفحاتها النجوم، وكانت مياه (دجلة) تعكس النجوم فتزيدها بهاءً ورونقاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015