خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَإِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً} 1.

فذكرها عليه السلام بصيغة الجمع. أيجوز في عقل عاقل أن ما ذكره تعالى عن خليله من إنكاره لعبادة هذه الأوثان، وإخباره أنهم لا يملكون لعابديهم رزقا؛ أنها لا توجد في الخارج؟ ولا ريب أنه لا يجحد هذا إلا مكابر معاند مخالف لما جاءت به الرسل من التوحيد.

وقوله تعالى عن خليله وقال: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 2 الآية. أيشك من له عقل أن تلك الأوثان موجودة عند عابديها يباشرونها بالعبادة؟ وهل يعرف أحد من هذا السياق إلا أنها موجودة معبودة منتفية بلا إله إلا الله.

وكذلك قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 3.

ولا خلاف أن الصنم شيء مصور على صورة شخص يعبد من دون الله، وذلك لا يكون إلا موجودا في الخارج، فسماه الخليل أوثانا وآلهة، وأنكرها وتبرأ منها وممن عبدها.

(الوجه الثالث) : أن الله بعث محمدا ينهى قريشا والعرب وغيرهم من المشركين عن أن يعبدوا مع الله غيره كاللات والعُزى ومناة والأصنام التي كانت حول الكعبة كما تقدم، وقد قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} 4 إلى قوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} 5. أيشك أحد بعد هذا أنها موجودة تعبد من دون الله؟ بل لا يشك مسلم ولا مشرك في وجودها وأن قريشا وغيرهم يعبدونها.

(الوجه الرابع) : أن الله تعالى قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} 6، فأجابوا ردا عليه فيما دعاهم إليه وقالوا: {وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 7.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015