{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} 1؛ وقال في –سيدة آي القرآن- آية الكرسي: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 2 وقال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 3، فأخبر أن مُلْكَهُ السماواتِ والأرضَ يُوجِبُ أن تكون الشفاعة كلها له وحده، وأن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه، فإنه ليس بشريك، بل مملوك محضٌ، بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض.

فتبين أن الشفاعة التي نفاها الله –سبحانه- في القرآن هي هذه الشفاعة الشركية التي يفعلها بعضهم مع بعض. ولهذا يطلق نفيها تارة بناء على أنها هي المعروفة عند الناس، ويقيدها تارة بأنها لا تنفع إلا بإذنه. وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه، فإنه الذي أَذِنَ، والذي قبل، والذي رضي عن المشفوع، والذي وَفَّقَهُ لفعل ما يستحق به الشفاعة.

شفاعة المخلوق إلى المخلوق لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده

وقوله: فَمُتَّخِذُ الشفيع لا تنفعه شفاعته، ولا يشفع فيه، ومتخذ الرب وحده إلهه ومعبوده ومحبوبه ومَرْجُوَّه ومخوفه، الذي يتقرب إليه وحده ويطلب رضاه، ويتباعد من سخطه، هو الذي يأذن الله –سبحانه- للشفيع أن يشفع له، قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 4.

فبيَّن -سبحانه وتعالى- أن متخذي الشفعاء مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم. وسر الفرق بين الشفاعتين: أن شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده لا خلقا ولا أمرا ولا إذنا، بل هو سبب مُحَرِّك له من خارج كسائر الأسباب، وهذا السبب المحرك قد يكون عند المحرك؛ لأجله ما يوافقه، كمن يشفع عنده في أمر يحبه ويرضاه، وقد يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015