؟؟ وكنا كندماني جذيمة حقبةً من الدّهر حتى قبل لن يتصدعا

فلما تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

وقال آخر:

خمسون عاماً تولت من تصرّفها ... عسرٌ ويسرٌ على الحالين أشهده

لم أبك من زمن صعب لشدته ... إلا بكيت عليه حين أفقده

وما جزعت على ميتٍ فجعت به ... إلاّ ظللت لستر القبر أحسده

وما ذممت زمانا في تقلّبه ... إلاّ وفي زمني قد صرت أحمده

ولأبي عبد الرحمن العطوى، واسمه محمد بن عطية:

سألت عن سبب الإقتار والعدم ... وعن زوال النّدى في العرب والعجم

نودى: هوت أنجم الإفضال واشتملت ... أم التواصل في الدنيا على عقم

أنعمى إليك مواساة الصديق وما ... قد كان يرعى من الأخلاق والذمم

أنعمى إليك خلال الفضل قاطبةً ... لم يبق منهنّ إلا دارس العلم

أين الوفاء الذي قد كان يعرفه ... قومٌ لقومٍ وأين الحفظ للحرم

أين الجميل الذي قد كان ملتبسا ... أهل الوغاء وأهل الفضل والكرم

أيسر أنت صديق الناس كلّهم ... ثم ابل سرهم في حالة العدم

فإن وجدت صديقا عند نائبةٍ ... فلست من طرقات الخبير في أمم

لما أناخ علىّ الدهر كلكله ... وخاننى كلّ ذي ودٍّ وذي رحم

ناديت ما فعل الأحرار كلهم ... أهل الندى والهدى والبعد في الهمم

قالوا: حدا بهم ريب الزّمان فسل ... أحداثه عنهم تخبرك عن رمم

روينا عن عبد الله بن مصعب الزبيري أنه قال: خرجنا إلى الغزو زمن مروان بن محمد حتى إذا كنّا ببعض الطّريق أصابنا مطرٌ وابل، قملنا إلى قصر رفع لنا فصرنا إلى فنائه، إذ خرجت وليدة فقالت: بأبي وأمي! من أين أنتم فقلنا: من مكة. فتنفست الصّعداء، وأنشأت تقول:

من كان ذا سكن بالشام يألفه ... فإن في غيره أمسى لى السّكن

وإنّ ذا القصر حىّ مابه وطنى ... لكن بمكة أمسى الأهل والوطن

من ذا يسائل عنّا أين منزلنا ... فالأقحوانة منّا منزلٌ قمن

إذ نلبس العيش صفواً ما يكدره ... ضغن الوشاة ولا ينبوبنا الزّمن

قال: فمضينا في غزونا حتى إذا قضينا شأننا وقفلنا راجعين، أخذنا المساء عند ذلك القصر، فأضافنا صاحبه وأحسن ضيافتنا، فقلت له: ثمّ حاجة. فقال: وما هي؟ قلت: وليدة صفتها كذا، إما أن تبيع وإما أن تهب، فقال: ما شاء الله كان، والله لو كانت حية ما مضيت إلاّ بها، ولكنها ماتت منذ أيام تلهفاً على مفارقة من نشأت معه.

روينا من وجوه أن أبا خالد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج فقيه مكة رضى الله عنه، خرج إلى اليمن إلى معن بن زائدة في دين ركبه، قال: فلما نزلت عليه رحبّ بي وسهّل، وقال: ما أقدمك هذه المدرة؟ فقلت: دينٌ ركبني لم تف به جائزة أمير المؤمنين، فضاق ذرعي فلم أر له سواك، فخرجت إليك. فقال: قدمت خير مقدم، يقضي دينك وتنصرف محبوراً إلى وطنك. قال: فأقمت عنده شهوراً في أحسن مثوى وأكرم ضيافة، فإني لخارج من عنده يوماً إذ رأيت الناس يتأهبون إلى الحج، فأدركتني وحشة، ولم أملك العبرة، وحنّت نفسي إلى الوطن، فرجعت إليه وقد اغرورقت عيناي بالدموع، فقال لي: مالك؟ قلت: رأيت الناس في أهبة الحج والخروج إلى مكة فذكرت أبياتاً لعمر بن أبي ربيعة حملتني على ما ترى قال: وأى أبيات عمر هي؟ فقلت: قوله:

هيهات من أمة الوهّاب منزلنا ... إذا نزلنا بسيف البحر من عدن

واحتّل أهلك أجيادا فليس لنا ... إلا التذكر أو خظٌ من الحزن

بل ما نسيت غداة الخفيف موقفها ... وموقفي، وكلانا ثمّ ذو شجن

وقولها للثريّا وهي باكية ... والدمع منها على الخدين ذو سنن

بالله قولى له في غير معتبةٍ ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت دنيا أو رضيت بها ... فما أخذت بترك الحجّ من ثمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015