منه، .... ثم قال وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن ترك الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى، لا تفيد شيئا ولا يصدق صاحبها ... انتهى). إلا أن الشيخ السعدي رحمه الله يُرجح أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه أبو طالب حباً طبعياً وهذا مما يدل على عدم اتضاح الرؤية لديه أو يُقال أن له أكثر من مذهب في هذه المسألة حيث يقول في تفسيره لقوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (يخبر تعالى أنك يا محمد وغيرك من باب أولى لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله).

وقال أصحاب هذا المذهب أن الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة تستلزم ثبوت لوازمه وانتقاء أضداده ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله وأنه إذا كان في القلب حب الله ورسوله ثابتاً استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه الكفار سواءً كانوا محاربين أو مُسالمين وهذا تلازم ضروري , وقالوا غالباً المودة والموالاة يدلان على إقرار الكافر على ما هو عليه والرضا عنه مما يسبب عدم دعوته إلى الإسلام , وقالوا كذلك أن ولاية الكفار الولاية المحظورة تشمل ولايتهم استقلالاً وكذلك ولايتهم اشتراكاً مع المؤمنين وأن مودة من حاد الله ورسوله ولو كان مُسالماً للمسلمين لا تجتمع مع من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فإن هذا جمع بين ضدين لا يجتمعان لكن قد يكون للقلب نوع من محبة وإرادة لشيء ونوع محبة وإرادة لضده فهذا كثير بل هو غالب على بني آدم لكن لا يكون واحداً منهما تاماً.

قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان ({لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية , (هذه الآية الكريمة توهم أن اتخاذ الكفار أولياء إذا لم يكن من دون المؤمنين لا بأس به بدليل قوله {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} , وقد جاءت آيات أخر تدل على منع اتخاذهم أولياء مطلقاً كقوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} , وكقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ .. } الآية , والجواب عن هذا: أن قوله {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} لا مفهوم له, وقد تقرر في علم الأصول أن دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة له موانع تمنع اعتباره , منها كون تخصيص المنطوق بالذكر لأجل موافقته للواقع كما في هذه الآية؛ لأنها نزلت في قوم والَوْا اليهود دون المؤمنين, فنزلت ناهية عن الصورة الواقعة من غير قصد التخصيص بها, بل موالاة الكفار حرام مطلقاً , والعلم عند الله. انتهى).

واستدل أصحاب هذا المذهب على صحة مذهبهم بقوله تعالى "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" انظر إلى قوله تعالى: " وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " ولم يقل " وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تكفوا عن حربنا" فجعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015