وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يُجَسِّدَ الْمَعَانِيَ وَيَجْعَلَ لَهَا صُورَةً كَثِيفَةً كَمَا فِي مِيزَانِ الْأَعْمَالِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «الْجَنَّةَ قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا قَوْلُك سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ (فَمَنْ كَانَ سَخِيًّا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ ذَلِكَ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَالشُّحُّ» قَدْ عَرَّفْته آنِفًا «شَجَرَةٌ فِي النَّارِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «أَغْصَانُهَا مُتَدَلِّيَاتٌ فِي الدُّنْيَا» هُنَا، وَفِي الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «فَمَنْ كَانَ شَحِيحًا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ ذَلِكَ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ» ، وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ عَسَاكِرَ

كَمَا فِي الْفَيْضِ قَالَ أَنَسٌ «أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَكُمْ الْإِسْلَامَ بِالسَّخَاءِ وَحُسْنَ الْخُلُقِ أَلَا إنَّ السَّخَاءَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَغْصَانُهَا فِي الدُّنْيَا فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ سَخِيًّا لَا يَزَالُ مُتَعَلِّقًا بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا حَتَّى يُورِدَهُ الْجَنَّةَ أَلَا إنَّ اللُّؤْمَ شَجَرَةٌ فِي النَّارِ، وَأَغْصَانُهَا فِي الدُّنْيَا فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَئِيمًا لَا يَزَالُ مُتَعَلِّقًا بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا حَتَّى يُورِدَهُ النَّارَ» ثُمَّ قَالَ فِيهِ ضُعَفَاءُ وَمَجَاهِيلُ يَعْنِي السَّخَاءُ يَدُلُّ عَلَى كَرَمِ النَّفْسِ، وَعَلَى تَصْدِيقِ الْخَلَفِ عَلَى مَنْ ضَمِنَ الرِّزْقَ فَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا الْأَصْلِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الْجَاذِبَةِ إلَى دِيَارِ الْأَبْرَارِ، وَالْبُخْلُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَعَدَمُ الْوُثُوقِ بِضَمَانِهِ تَعَالَى جَاذِبٌ إلَى الْخُسْرَانِ قَائِدٌ إلَى دَارِ الْهَوَانِ. وَقِيلَ أَقْبَحُ مَا فِي الْبَخِيلِ أَنَّهُ يَعِيشُ عَيْشَ الْفُقَرَاءِ وَيُحَاسَبُ مُحَاسَبَةَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْبُخْلُ جِلْبَابُ الْمَسْكَنَةِ، وَالْبَخِيلُ لَيْسَ لَهُ خَلِيلٌ.

(تَنْبِيهٌ) سَخَاءُ الْعَوَامّ بِبَذْلِ الْمَوْجُودِ وَسَخَاءُ الْخَوَاصِّ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَمَفْقُودٍ غِنًى بِالْوَاحِدِ الْمَعْبُودِ كَذَا فِي الْفَيْضِ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ كَذِبِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوَضْعُ يَقِينًا، وَقَدْ نَقَلَهُ الثِّقَاتُ فِي كُتُبِهِمْ، وَالْإِعْمَالُ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ. انْتَهَى. أَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى تَخْرِيجِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى تَخْرِيجِ الْخَطِيبِ، وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى رِوَايَةِ الدَّيْلَمِيِّ ثُمَّ تَكَلَّمَ الْمُنَاوِيُّ فِي كُلِّ تِلْكَ الطُّرُقِ بَعْضُهَا بِالْوَضْعِ وَبَعْضُهَا بِالضَّعْفِ إلَّا طَرِيقَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

(ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ» مِنْ رَحْمَتِهِ «قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ» قُرْبَ مَوَدَّةٍ «قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ» لِسَبْقِهِ فِيمَا يُدْنِيهِ مِنْهَا وَسُلُوكِهِ طَرِيقَهَا قُرْبَ مَسَافَةٍ لِجَوَازِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى بِرَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَيُبْعِدُهُ عَنْهَا كَثْرَةُ الْحُجُبِ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَحْجُوبَتَانِ عَنْ الْخَلْقِ بِمَا حُفَّتَا بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ وَالشَّهَوَاتِ «بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ» رَحْمَةِ «اللَّهِ بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ» الْبُخْلُ ثَمَرَةُ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا «وَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَخُولِفَ لِيُفِيدَ أَنَّ الْجَاهِلَ غَيْرَ الْعَابِدِ السَّخِيَّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْعَالِمِ الْعَابِدِ الْبَخِيلِ ثُمَّ قَالَ عَنْ ابْنِ عَرَبِيٍّ فِي قَوْلِهِ وَجَاهِلٌ سَخِيٌّ إلَخْ مُشْكِلٌ يُبَاعِدُ الْحَدِيثَ عَنْ الصِّحَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ قِسْمَانِ جَاهِلٌ بِمَا لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فِي عَمَلِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَجَاهِلٌ بِمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْعِلْمِ فَأَمَّا الْمُخْتَصُّ بِهِ فَعَابِدٌ بَخِيلٌ خَيْرٌ مِنْهُ، وَأَمَّا الْخَارِجُ عَنْهُ فَجَاهِلٌ سَخِيٌّ خَيْرٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ وَالْعِلْمَ يَعُودَانِ إلَى الِاعْتِقَادِ وَالسَّخَاءَ وَالْبُخْلَ لِلْعَمَلِ، وَعُقُوبَةُ ذَنْبِ الِاعْتِقَادِ أَشَدُّ مِنْ ذَنْبِ الْعَمَلِ. انْتَهَى.

وَقِيلَ الْجَاهِلُ هُنَا ضِدُّ الْعَابِدِ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ فَمَنْ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ فَقَطْ فَسَخِيٌّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015