يعني أن الشاعر قد اهتدى إلى ما كان يبحث عنه، وكانت قصيدة " أنشودة المطر " فاتحة هذا التجلي لأنها تخلت عن الازدواجية القديمة واعتمدت الوحدة المظلمة في كل الجوانب، ولأول مرة يتحدث الشاعر عن العراق وعن نفسه حديثا متطابقا ويبني قصيدته على وحدة متكاملة تستدعي التفاؤل الختامي ضرورة ناجمة عن المبنى نفسه، لا كما كان هذا التفاؤل من قبل متصلا بالمبدأ الخارجي دون أن يكون نابعا من نفس الشاعر. كان السياب؟ عند هذا الحد - قد نضج فنيا، وساعدت على نضجه المحاولات المتكررة والينابيع الثقافية والمحاكاة الواعية، فنظم في هذه الفترة قصائده الكهفية، التي تمثل انصهار الشاعر في أمته وقهره للموت أو تقبله له لأنه موت " في الجماعة " كما نظم قصائد أخرى تعد فنية خالصة واعتمد فيها بناء محكما مثل " تعتيم " و " أغنية في شهر ". وتعد القصيدة الأخيرة من الوجهة الفنية الخالصة من أجمل ما نظمه الشاعر على طريقة لم يتح له ان يمارسها في شعره من بعد إلا قليلا، وفيها تتجلى قدرته على استغلال " الأسطورة " استغلالا اصبح سمة لقصائد هذه الفترة والتي تليها، فقد اكتشف ما يمكن ان تمده به أسطورة تموز، وما كاد يجد راحة نفسه فيها هاربا من " واقعيته الحديثة " حتى مزجها برمز " المسيخ "، وبذلك كان يبتعد رويدا رويدا عن حمى الجماعة إلى منطقة " الخلاص " الفردي الذاتي. وقد انشأ في هذه الفترة " فترة سلال الصبار في بابل " مزيدا من القصائد ذات المبنى الفني المحكم مثل " النهر والموت " و " مدينة بلا مطر " و " جيكور والمدينة ". وتعد قصيدة " النهر والموت " مفترق الطريق الذاهب إلى النهاية ففيها وقف يرجح بين الموت في الجماعة والعودة إلى بويب وظل النخلة أي الموت الفردي المريح بالعودة إلى أحضان الام. ولكن الأحداث الدامية في العراق أرجأت هذا الاختيار وإذا به يحول رمز تموز والمسيح إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015