- 32 -

خاتمة

حين سميت المرحلة الأولى من حياة السياب باسم " البحث عن النخلة " كنت اعلم ان ذلك البحث لا يقتصر على مرحلة واحدة من حياته بل يشتمل جميع تلك المراحل، فالنخلة كانت رمزا للأم وصورة للإله، وهي أيضاً تمثل نهر بويب وجيكور والحبيبة والريف والعراق وفي ظلها يقع المحار " ألهية الطفولة " والموت المريح، وبين سعفها الأخضر تطوف أحاديث الرعاة والهوى، أي أنها تصل بين طرفي الحياة والموت وتجمع شتى الأشواق والأحاسيس والرغبات المستعلنة منها والمتغلغلة في الكمون، وعليها تقاس الأشياء والأحداث وبوحي منها تفهم الفلسفات والمبادئ، فتصبح المدينة؟ مثلا - ظاهرة بغيضة لأنها تبعد الطفل عن النخلة، ويصبح " النضار " ربا ممقوتا لأنه يفقد صاحبه الحب الذي كانت توفره الظلال " الرعوية " الوارفة، وتستهجن بعض المبادئ لأنها تستبيح ان تصلب " عشتار " (الام القديمة والحبيبة) وتدق في رحمها مسمارا، وتطرد الإله من حومة المدينة. وحين سميت هذا السعي الدائب للعودة باسم " البحث عن النخلة " كنت المح ما يحمله هذا العنوان من مقارنة ساخرة، فالنخلة شاهرة فارعة تتطلب بحثا، ولكن السياب كان يبحث عن المعاني الباطنية فيها حينا وعن بديلاتها حينا آخر، ولهذا انفق عهد الصبا والشباب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015