الفترة يتدفق بالشعر تلقائيا كأنه يخشى التأمل والصمت؛ كان حديثه إلى نفسه هو البرهان الوحيد على أنه ما يزال يحيا وينتج شعرا، وكان ذلك الحديث هو نفسه تلك القصائد، وفي مثل هذا الانسياب الطوعي يتضاءل الاهتمام بخطة البناء، ويصبح أي دفق شعوري هامر قادرا على التحول إلى إيقاعات تسمى شعرا؛ وهناك سبب آخر يبعده عن الرمز والأسطورة وذلك هو سطوع الحقيقة المادية على نحو يتضاءل إلى جانبه كل رمز، بل يصبح أي لجوء إلى الرمز مضحكا. ومن اجل التعبير عن تلك الحقيقة المادية؟ بكل أبعادها - جاء الشعر منساقا بقوتها وسطوعها، ولم تدع قوتها مجالا للتأمل، لأنها كانت أقوى من كل ما قد يستشف منها (?) :

ممض ما أعاني: شل ظهر وانحنت ساق ... على العكاز أسعى حين أسعى عاثر الخطوات مرتجفا ... غريب غير نار الليل ما واساه من أحد ... بلا مال بلا أمل يقطع قلبه أسفا ... ألست الراكض العداء في الأمس الذي سلفا؟ ... ولهذا كان اللجوء إلى الصراحة السافرة والقول التحقيقي المحض طريق الشاعر التي قل ان يجد طريقا سواها (?) :

ألفيتني أحسب ما ظل في جيبي من النقد ... أيشتري هذا القليل الشفاء؟ ... وتحت سياط هذه الحقيقية المادية وسفافيدها لم يعد الشاعر يعنى حتى بقوة اللمح الشعري. انه يريد ان يصور كل ما في عالمه المحدود على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015