أريد أن أقوله هنا هو ان تلك الأسباب المجتمعة وضلت بفعلها وتأثيرها إلى اللحظة الحرجة

حين كان السياب يعاني تجربة غربة مريرة، ساعتئذ أحس؟ بطريقة عفوية؟ إن الوطن أحق با بستقطاب مشاعره، بل هو قد استقطب حقا مشاعره جميعا على نحو من الحنين والتصور الرومنطيقي:

الشمس اجمل في بلادي من سواها، والظلام

حتى الظلام؟ هناك اجمل فهو يحتضن العراق

واحسرتاه متى أنام

فأحس أن على الوسادة

من ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق (?)

وكان هذا الشعور ينسجم مع طبيعة طفولته وذكرياته، لآن المسافة بينها وبين فرديته أصغر بكثير من المسافات بين تلك الفردية والنزعة الإنسانية الكبرى. ساعتئذ أحس؟ مخطئا أو صيبا - أن الوطنية بمعناها القومي تصلح بديلا عن تلك النزعة الإنسانية العامة، فنانق الاتجاه الجديد، دون ان يعلن لأحد ان صلته بالحزب قد ماتت؟ هكذا في يسر - من غير ان تعاني شيئا من سكرات الموت، أو شيع بالبكاء والعويل. تلك حقيقة لا تغير منها العوامل الأخرى التي طرأت بعد العودة إلى العراق، وإنما تزويدنا اطمئنانا إليها:

عاد السياب إلى بغداد فوظف في مديرية الأموال المستوردة بوساطة من صديقه عبد الرزاق الشيخلي، وعاد دولب الحياة يجري كما كان يجري من قبل. إلا أن العراق الذي كان يتراءى له في الغربة لم يكن كذلك: كلما اقترب المرء من دنيا الحقيقة ذابت من حولها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015