- 2 -

صورة وذكريات

غلام ضاو نحيل كأنه قصبة، ركب رأسه المستدير كحبة الحنظل، على عنق دقيقة تميل إلى الطول، وعلى جانبي الرأس أذنان كبيرتان، وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدب متدرج أنف كبير يصرفك عن تأمله أو تأمل العينين الصغيرتين العاديتين على جانبيه فم واسع، تبرز " الضبة " العليا منه ومن فوقها الشفة بروزا يجعل انطباق الشفتين فوق صفي الأسنان كأنه عمل اقتسامي، وتنظر مرة أخرى إلى هذا الوجه " الحنطي " فتدرك أن هناك اضطرابا في التناسب بين الفك السفلي الذي يقف عند الذقن كأنه بقية علامة استفهام مبتورة، وبين الوجنتين الناتئتين وكأنهما بدايتان لعلامتي استفهام أخريين قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيين.

ولو حفظ المرء حكمة " ضمرة بن ضمرة " التي يقول فيها: " إنما المرء بأصغريه، وإن لا تكال بالقفزان " وكررها على نفسه عشرات المرات، لم تغنه شيئا كثيرا عما يعتقده الناس إذا هم طالعوه منظره، وخاصة حين يبكون الأمر بحثا عن الطريق الموصلة إلى قلب المرأة.

وقد كان من شقاء بدر الذي ورث الضعف الجسماني عن أبيه أن انفق حياته القصيرة منذ أدرك الحلم إلى أن مات، وهو يبحث عن القلب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015