فِي الْمُسَاقَاةِ هُوَ بِالْخَرْصِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ الْحُكْمُ بِالْخَرْصِ فِي النَّخْلِ، وَالْكَرْمِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، فَكَأَنَّهُ قَاسَ الْمُسَاقَاةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ هُوَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ وَتُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا، كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» . وَدَفَعَ دَاوُدُ حَدِيثَ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ ; لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ مَعَ النَّخْلِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ أَوْ مَعَ الثِّمَارِ; هَلْ يَجُوزُ أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ مَعَ النَّخْلِ بِجُزْءٍ مِنَ النَّخْلِ، أَوْ بِجُزْءٍ مِنَ النَّخْلِ وَبِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ؟

فَذَهَبَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ طَائِفَةٌ، وَبِهِ قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ، وَاللَّيْثُ، وَأَحْمَدُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَجَمَاعَةٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إِلَّا فِي الثَّمرِ فَقَطْ.

وَأَمَّا مَالِكٌ، فَقَالَ: إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ تَبَعًا لِلثَّمَرِ، وَكَانَ الثَّمَرُ أَكْثَرَ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا فِي الْمُسَاقَاةِ اشْتَرَطَ جُزْءًا خَارِجًا مِنْهَا، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، وَحَدُّ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ (أَعْنِي: أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ كِرَاءِ الْأَرْضِ الثُّلُثَ مِنَ الثَّمَرِ فَمَا دُونَهُ) ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ لِنَفْسِهِ; لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا (أَعْنِي: عَلَى الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا) : حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ.

وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحَادِيثُ رَافِعٍ مُضْطَرِبَةُ الْأَلْفَاظِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ. وَأَمَّا تَحْدِيدُ مَالِكٍ ذَلِكَ بِالثُّلُثِ فَضَعِيفٌ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْأُصُولِ; لِأَنَّ الْأُصُولَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجَائِزِ مِنْ غَيْرِ الْجَائِزِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. وَمِنْهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمُسَاقَاةِ فِي الْبَقْلِ; فَأَجَازَهَا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْبَقْلِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهَا الْجُمْهُورُ; لِأَنَّ الْعَامِلَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا سَقْيٌ فَيَبْقَى عَلَيْهِ أَعْمَالٌ أُخَرُ، مِثْلُ الْإِبَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ; وَأَمَّا اللَّيْثُ فَيَرَى السَّقْيَ بِالْمَاءِ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْمُسَاقَاةُ، وَلِمَكَانِهِ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِيها.

الرُّكْنُ الثَّانِي: ; وَأَمَّا الرُّكْنُ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ بِالْجُمْلَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ هُوَ السَّقْيُ وَالْإِبَارُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015