بدائع البدائه (صفحة 122)

الباب الرابع في بدائع بدائه الاجتماع على العمل في مقصود واحد من شاعرين فصاعدا

لفصل الأول فيما وقع الاتفاق فيه قال علي بن ظافر

ودرج، وكتب حتى عرق جبينه، ولطخ الدرج بكثرة ما سود، ثم تبادل أترجة وقلبها، يعلمنا أنه عمل فيها شيئاً، ثم قال:

كأنها لون فتىً عاشقٍ ... من برده قد لبس المخملا

فالتفت إلى أبو العلاء بن حسوك وقال لي سراً: لابد من إجازة هذا البيت بما يشاكل سخنة عين الوزراء، ولو عزلني عن عملي وقطع ضياعي، ثم أقبل عليه كأنه يصل كلامه فقال:

أو لون حاجي من خرسان ومن ... إسهاله قد ركب المحملا

فتوهم الوزير أنه جد، فأخذ يحرك رأسه مستحسناً لهذه الإجازة، ومتعجباً من سرعة البديهة، وملكني وأبا العلاء الضحك حتى تهتكنا، ونبه على سخريتنا منه، فظهرت منه حركات العربدة، فانصرفنا إشفاقاً من حال مكروهةٍ تجرى علينا.

الباب الرابع

في بدائع بدائه الاجتماع

على العمل في مقصود واحد من شاعرين فصاعداً

وقد يكون اجتماعهما لشيئين: أحدهما، أن يكون ذلك لأمر ملك أو وزير، واقتراح رئيس أو كبير، وسؤال صديق أو رفيق.

والثاني أن يقصد تبين فضلهما إن كانا متوافقين، أو يقصد أحدهما تعجيز صاحبه إن كانا متنازعين أو متدافعين. أو يقصد أحدهما تعجيز صاحبه إن كانا متنازعين أو متدافعين.

ويقع ما يصدر عنهما أيضاً على وجهين: أحدهما أن يكونا فيما نظما متباعدي الغرضين مختلفي المقصدين، وهو الأكثر. والثاني أن يتفقا على معنىً واحدٍ وهو الأقل، ربما اشتركا في كثير من الألفاظ واتفقا في القافية، وهذا إنما يكون عند اشتراكهما في جودة طبع وصفاء ذهن، وحدة خاطر، وقوة فكر واتقاد قريحة. وبالجملة أن يكونا واردين على شريعة واحدة.

وها أنا اذكر ما مر بي من الأخبار على هذين الوجهين في فصلين، وأبدأ بما وقع الاتفاق فيه فأقول:

لفصل الأول

فيما وقع الاتفاق فيه

قال علي بن ظافر

أكثر ما يقع هذا الاتفاق الغريب والتوارد العجيب، إذا ضيق المقترح على الشاعرين بأن يعين الوزن والقافية.

ذكر أبو عبد الله بن شرف القيرواني في كتاب أبكار الأفكار، قال: استدعاني المعز بن باديس يوماً واستدعى أبا علي الحسن بن رشيق الأزدي - وكنا شاعري حضرته وملازمي ديوانه - فقال: أحب أن تصنعا بين يدي قطعتين في صفة الموز على قافية الغين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015