فكره وصال، وأغار قلمه وأنجد في الموضوعات العلمية والأدبية المختلفة المتباينة، فأفرغ في هذا الكتاب عصارة تجاربه العلمية، وأودعه حصيلة معارفه المتنوّعة، فجاء كتابًا ممتعًا خفيفًا، غزير المادة سهل المأخذ، يقبل عليه العالم والأديب والشاعر واللغوي والأخباري بنفس اللذة والشوق والعناية.

ويبدو أنّ البيروني تأثّر في كتاب الجماهر بأسلوب الجاحظ في كتاب الحيوان وخاصة في ظاهرة الاستطراد، وقد قرأه ونقل منه في هذا الكتاب، غير أنّ هذا التأثير لا يلاحقه في كتبه العلمية الأخرى التي يتمسّك فيها بحبل الكلام تمسّكًا قويًا، ولا يخرج عن الموضوع البتة.

وقد استرعى كتاب الجماهر انتباه الباحثين، فنشر الأستاذ محمد يحيي الهاشمي دراسة اقتصادية له في مجلّة المجمع العلمي العربي بدمشق (?)، كما تناوله من الناحية العلمية الدكتور فاضل أحمد الطائي ونشر مقالة في مجلّة المجمع العلمي العراقي (?). أمّا هذا البحث فهو محاولة متواضعة لاستعراض الثروة اللغوية والشعرية التي يحويها كتاب الجماهر، وكشف ملامح الشخصية الأدبية للبيروني، واستشفاف بعض آرائه ونظراته في اللغة واتّجاهاته في النقد.

ترويحات الكتاب

يشتمل كتاب الجماهر على فاتحة، وفصلين بينهما خمس عشرة ترويحة، ومقالتين إحداهما في الجواهر والأخرى في الفلزات.

أمّا الترويحات فهي مقدّمات تمهيديّة أدارها حول التنويه بموضوع الكتاب من جوانبه المختلفة، وتطرّق فيها إلى الحديث عن عدد من مشكلات الاجتماع والاقتصاد والأخلاق ومصالح الشريعة. وهذه الترويحات جديرة بدراسة مستقلّة ويحمل بعضها مادة أدبية غزيرة مثل الترويحة السادسة (ص 10 - 12) التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015