ودليلنا: الحديث الذي رواه الشافعي في صدر الباب أن النبي صل الله عليه وسلم قال للأنصار حين أدعوا قتل صاحبهم على اليهود تحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا: لا، قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا قالوا: ليسوا بمسلمين فوداه من عنده وقد رواه عباد عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج حويصة ومحيصة ابنا مسعود وعبد الرحمن وعبد الله ابنا سهل إلى خيبر يمتارون فتفرقوا لحاجتهم فمروا بعبد الله بن سهل قتيلاً فرجعوا إلى النبي صل الله عليه وسلم فأخبروه. فقال لهم النبي صل الله عليه وسلم: تحلفون خمسين يمينًا قسامة تستحقون به قتيلكم قالوا: نحلف على أمر غبنا عنه قال: فيحلف اليهود خمسين يمينًا فيبرؤون، فقالوا: نقبل أيمان قوم كفار فأتى رسول الله صل الله عليه وسلم بمال من مال الصدقة فوداه من عنده فكان في هذا الحديث دليل من وجهين:

أحدهما: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم ". فبدأ بهم، وجعل الدم مستحقًا بأيمانهم وأبو حنيفة يبدأ بغيرهم ويجعل الدم مستحقًا بأيمان غيرهم.

الثاني: قوله فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا فنقل الأيمان عنهم إلى غيرهم وجعلها مبرئة لهم وأبو حنيفة لا ينقل الأيمان ولا يبرئ بها من الدم، فاعترضوا على حديث سهل بن أبي حثمة من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن سهل بن ابي حثمة كان طفلاً لا يضبط ما يرويه.

والجواب عنه: أنه قد كان ضابطًا لحاله، وقد روى أبو بكر النيسابوري في زياداته عن إبراهيم الحبري أنه كان لسهل حين مات رسول الله صل الله عليه وسلم ثمان سنين وقد عمل التابعون بما رواه.

والثاني: أن سفيان بن عيينة روى عن سهل بن أبي حثمة أن النبي صل الله عليه وسلم بدأ في القسامة بأيمان اليهود والجواب عنه: أنها رواية تفرد بها سفيان وشك فيها هل بدأ بأيمان الأنصار أو اليهود. وقد قال أبو داود وهم سفيان في هذا الحديث.

والثالث: أن بشير بن يسار روى عن سهل بن أبي حثمة أن النبي صل الله عليه وسلم قال للأنصار: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قال: محمد بن الحسن قال: تلك لهم على وجه الإنكار عليهم ما قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50].

والجواب عنه: أنه لو كان على وجه الإنكار لما قال: وتستحقون دم صاحبكم فيصير بالاستحقاق وبما قال بعده فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا خارجًا عن الإنكار وإنما أدخل الألف ليخرج عن صيغة الأمر لأن قوله: تحلفون شبيه بالأمر المحتوم فأدخل عليه الألف للاستفهام ليصير تفريقًا للحكم واستخبارًا عن الحال. ومن الدليل عليه ما رواه مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة ". ورواه مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015