الهجرة بقوله تعالى: {ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً} [النساء 100] الآية. فهاجر بعضهم إلى أرض الحبشة وبعضهم إلى الطائف وهو يعرض نفسه في المواسم ويدعو الناس إلى الله تعالى حتى منّ الله تعالى على الأوس والخزرج وهم من عرب اليمن يسكنون بالمدينة فآمنوا وآمن ولياهما من أهلها بالمدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من لقنهم الإيمان والقرآن وعلمهم الصلوات ثم أراه الله تعالى في منامه دار الهجرة وهي المدينة وأذن له ولأصحابه في الهجرة إليها ثم فرض عليهم الهجرة بعج سنتين من الهجرة بقوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} [النساء 97] الآية. فهاجر ولو يؤذن بعد في الجهاد ثم بعد زمان أذن لهم في قتال من قاتلهم من الكفار دون من لم يقاتلهم ولم يأذن لهم في الابتداء بالقتال بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج 39] الآية. فكان من أحب أن يقاتل من أصحابه فعل ولم يكن ذلك واجبًا [153/ب] ثم فرض عليهم القتل بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ} [البقرة 216] وبقوله تعالى: {وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة 244].

وهذا معنى قول الشافعي رضي الله عنه: لما مضت برسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله تعالى فيها على جماعات بإتباعه، حدثت لها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض عليهم الجهاد قال: وكان فرضه في الابتداء في غير الأشهر الحرم لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة 217] وقال تعالى: {فَإذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة 5] وكان فرضه في غير الحرم فأما في الحرم فلم يجز القتال إلا أن يبتدئ الكفار به لقوله تعالى: {ولا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ} [البقرة 191] ثم نسخ ذلك بأمر القتال في جميع الزمان في جميع البلدان بقوله تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً} [التوبة 41] الآية، وقال {وقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً} وقال: {وقَاتِلُوا} [البقرة 244] وقال: {وجَاهِدُوا} [المائدة 35] وابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واعلم أن الجهاد كان من فروض الكفايات وهكذا الآن وإنما وجب على جميع المسلمين القيام به في وقت لم يكن في بعضهم كفاية وفي مثله ورد قوله تعالى: {إلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ [154/أ] عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة 39] وقوله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ومَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ} [التوبة 120] الآية. وحين حصلت الكفاية ببعضهم سوغ الآخرين التقاعد عنه وفيه ورد قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ والْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء 95] الآية. هذا يدل على أن القاعد غير آثم بتركه الجهاد، ومن أصحابنا من قال: كان الجهاد في الابتداء من فرائض الأعيان ثم نسخ ومنهم من قال: الاعتبار بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل من دعاه إلى الجهاد افترض عليه الإجابة، وقال سعيد بن المسيب: هو من فرائض الأعيان ولا يصح لما ذكرنا.

وأما فرض الهجرة من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دار الشرك إلى دار الإسلام كل زمان فإنه يتوجه على من أسلم وهو مستضعف بين المشركين لا يقدر على إظهار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015