مثل الابن فإن الحاكم لا يسلم إليه المال في الحال حتى يكتب إلى البلاد التي كان دخلها الميت وسئل عنه فإذا فعل ذلك فلم يظهر له وارث سوى المشهود له يسلم إليه المال. وإن كان المشهود له ممن يحجب عن الميراث فالأخ والعم.

قال أبو إسحاق: لا يدفع إليه شيء لأن ميراثه مشكوك فيه فلا يدفع بالشك. وقال غيره من أصحابنا: وهو الصحيح يدفع إليه الميراث كما قلنا في الابن لأن سؤال الحاكم وبحثه ظاهر في أنه لا وارث له سواه فجرى ذلك مجرى أن تشهد البينة أنه لا نعلم له وارثاً سواه. ثم إذا دفعنا المال إلى هذا الوارث.

قال الشافعي: ها هنا يستحب أن يؤخذ منه كفيل لئلا يظهر وارث آخر فنكون قد احتطنا له. وقال في الدعوى والبينات: لا أعطيه شيئاً إلا بكفيل، فقيل: قولان، وقيل: وجهان؛ والقولان أولى لما ذكرنا والصحيح أنه احتياط. وقيل: القولان في غير الابن، فأما الابن يدفع إليه من غير كفيل وهو ضعيف. ولو أن الشهود قطعوا بشهادتهم وقالوا: لا وارث له غيره وكانت شهادتهم مقبولة على معنى [160/ب] لا نعلم له وارثاً غيره، وقد يطلق الرجل هذا اللفظ ومعناه العلم، ولو أطلقوا على الإحاطة وقال: نشهد على أن لا وارث له قطعاً وإحاطة كان هذا منهم خطأ ولكن لا ترد شهادتهم لأنه يؤول بهم إلى العلم ونهاهم الحاكم عن مثل هذا القطع.

وقال أبو حنيفة: القياس أن ترد شهادتهم لأنهما كذبا ولكن لا أردها استحساناً وهذا لا يصح لأنه يؤول إلى العلم ويجري عندهم مجرى القطع كقول عائشة رضي الله عنها: "ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديناراً ولا درهماً" تعني في علمنا وقال ابن أبي ليلى: لا يدفع إليه المال حتى يقطع الشهود أن لا وارث له سواه. وهذا غلط لأن القطع بذلك لا يمكن لجواز أن يكون استولد ولداً سراً، وإنما يمكن الرجوع إلى ظافر الحال فإن كان عالماً بسفره ومقامه لا يخفى عليه وارثه في الغالب فيحكم بشهادته إذا قال: لا أعلم. ولو قال: بلغنا أن له وارثاً آخر لا يجوز للقاضي أن يقسم الميراث مع الجهالة بعددهم حتى يعلم كم هو. وهل يدفع إلى الحاضر نصيبه؟ على ما ذكرنا. فإن تطاولت المدة ولم يثبت عند القاضي عدد الغائبين طولب الحاضر بكفيل حتى يتكفل بالميراث لأنا لا نأمن من أن ينصرف من الغيبة وارث سواه وقد قلنا في يد المدفوع إليه. فإن قال قائل: كيف عطف الشافعي قوله: فإن تطاول ذلك دعي الوارث بكفيل على قوله: إن قالوا: بلغنا أن له وارثاً غيره؟ لأن الشهود إذا قالوا: بلغنا أن له وارثاً غيره فالواجب على القاضي أن لا يدفع جميع الميراث إلى الحاضر وإن جاءه بالكفيل قلنا: معنى قول الشهود: بلغنا أن له وارثاً غيره: أن لا نتحقق ذلك ولكنا قد سمعناه ولا نشهد عليه وقد يقرع سمع الرجل مما لا يتحققه ثم لا يكون الخبر صدقاً وربما يكون كذباً فتوقف القاضي لاحتمال الصدق فلما تطاولت المدة وانتشر خبر وفاة المقر في الأقطار لم يظهر [161/أ] وارث خفي غلب على قلب الحاكم أن ما بلغهم لم يكن له حقيقة فلذلك أقدم على القسمة واحتاط بالكفيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015