أراد وصف هذه الناقة بطول العنق. وتشبيهه بالدقل، وهو خشبة طويلة تشد في وسط السفينة يمد عليها الشراع فقال: كأن زمامها ممدود بشراع لطول عنقها، فأخذوا عليه ذكره الشراع بدل الدقل. وقال بعضهم: إنما أراد بالشراع: الدقل إذ كان الشراع منوطاً به، ومثله لا يعد خطأ، ولمن يريد أن يخطئه من وجه آخر أن يقول: أراد أن يمدحها فذمها لأن طول العنق في الإبل هجنة عند أبي عمرو والأصمعي، وكانا يعيبان على رؤبة قوله في وصف بعير:

عن دوسري بتع ململمهْ ... في جسم خدل صلهبي عممه

غير أن حمزة بن علي البصري خطأهما في هذا الزعم فقال في التنبيهات: ((قولهما طول العنق هجنة رد على كلام العرب المأثور، وشعرهم المشهور، لا على رؤبة وحده، وهذا سبيل من ركبه ضلل، ومن نصره جهل)) ثم أورد قول من قال: (أبين الإبل عتقا أطولها عنقا) وساق عشرين شاهداً من كلام العرب تفند ما ذهبا إليه.

(ومنه) قول أيمن بن خريم يمدح بشر بن مروان:

وإنا قد رأينا أم بشر ... كأم الأسد مذكاراً ولودا

قالوا: أخطأ في أن جعل أم الأسد ولوداً لأن الحيوانات الكريمة عشرة نزرة النتاج، والصواب قول كثير:

بغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأم الصقر مقلات نزور

كذا في الموازنة والصناعتين، وهو المعروف والمشهور.

ومثله ما أنشده صاحب اللسان في مادة (قلت) لبعضهم:

لنا أم بها قلت ونزر ... كأم الأسد كاتمة الشكاه

(ومنه) قول العجاج يصف بعيره:

كأن عينيه من الغؤور ... قلتان أو حوجلتا قارور

صيرتا بالنضح والتصبير ... صلاصل الزيت إلى الشطور

القلت (بفتح فسكون) : النقرة في الجبل تمسك بالماء. والحوجلة: القارورة. والصلاصل هنا: بقايا الزيت، شبه عينيه حين غارتا بقارورتين بقى ما فيهما من الزيت إلى نصفيهما بسبب النضح. قالوا: وقد أخطأ لأنه جعل الزجاج ينضح ويرشح، وإنما تنضح الجرار ونحوها.

(ومنه) قول يزيد بن محمد المهلبي من أرجوزة:

حتى إذا السرب انبرى فاجتهدا ... حطت عليهن البزاة مددا

تجمع منها كل ما تبددا ... تصيد بحراً وتصيد جددا

من كل ما أحببت أن تصيدا ... سمكة أو طائراً أو أسدا

قال المزرباني في الموشح: ((قال محمد: أحال في هذا البيت لأنه ذكر البزاة، وليس السمك من صيد البزاة)) .

(ومنه) قول حميد بن ثور:

لما تخايلت الحمول حسبتها ... دوماً بأيلة ناعماً مكموما

والتكميم لا يكون إلا في النخل، وهو أن تجعل الكبائس في أكمة تصونها كما تجعل عناقيد الكرم في الأغطية كما في المخصص. ولم يكن هذا العربي يجهل النخل والدوم، ولكنه لما رآهم يكمون النخل ورأى الدوم يشبهه ظن أن يكم مثله لجهله بالغرس وتعهد أنواع الغرس. قال التميمي في ما يجوز للشاعر في الضرورة: ومن يحتج له يرويه: (نخلاً) .

وفي معناه قول النابغة الجعدي:

كأن تواليها بالضحى ... نواعم جعل من الأثاب

وقد أخطأ فيه أيضاً ولكن من وجه آخر لأنه شبه المطي بصغار النخل، والوجه أن توصف بالكبر والعظم كما فعل حميد. قال القاضي الجرجاني في الوساطة: ((والجعل: صغار النخل، وإنما المراد الكبار، وبه يصح الوصف فيما زعموا)) انتهى.

وفي طبقات الشعراء لابن قتيبة: أن الذي أخذ عليه فيه جعله الجعل من الأثاب، قال: ((ولا أراه إلا صحيحاً على التشبيه، كأنه أراد نواعم أثاب كالجعل، وقد تسمى العرب الشيء باسم الشيء إذا كان له مشبهاً، ولعل الأثاب أن تكون تسمى أفناؤه جعلاً، كما تسمى أفناء النخل وقصاره جعلاً)) انتهى ولا يخلو من نظر.

(ومنه) قول المرار بن منقذ يصف نخلاً:

كأن فروعها في كل ريح ... جوار بالذوائب ينتصينا

يريد: كأن هذه النخل إذا أمالتها الريح وتلاقى سعفها جوار يتنازعن ويتبارين بأن تأخذ الواحدة بناصية الأخرى فذهب أبو عمرو والأصمعي إلى أن المرار لم يكن له علم بالنخل في وصفها بتقارب النبتات لأن أفضل الغرس ما بوعد بينه. ومما وضعته العرب على ألسنة الأشياء قول النخلة الأخرى:

أبعدي ظلي من ظلكِ ... أحمل حملي وحملك

وتبعهما أبو حنيفة الدينوي في كتاب النبات، فقال في تفسير هذا البيت:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015