عقد فيه قول بعض الحكماء أيضاً: لقد مات أبوك وهو أصلك، وابنك وهو فرعك، فما بقاء شجرة ذهب أصلها وفرعها.

تنبيهات

تنبيهات الأول، أورد الطيبي في التبيان من أمثلة هذا النوع عدة مقاطيع، منها: ما روى ابن الضحاك أن أبا نواس سمع صبيا يقرأ (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا) فقال في مثل هذا يجيء صفة للخمر حسنة، ثم قال:

وسيارة ضلوا عن القصد بعدما ... ترادفهم جنح من الليل مظلم

فلاحت لهم منا على النأي قهوة ... كأن سناها ضوء نار تضرم

إذا ما حسوناها أناخو مكانهم ... فأن مزجت حثو الركاب ويمموا

فحدث بذلك محمد بن الحسن الشيباني فقال: لا، ولا كرامة، بل أخذه من قول الآخر:

وليل بهيم كلما قلت غورت ... كواكبه عادت فما تنزيل

به الركب أما أومض البرق يمموا ... وإن لم يلح فالقوم بالسير جهل

ومنها قول ابن مطروح:

وذا يا كليم الشوق واد مقدس ... لذي الحب فاخلع ليس يمشيه محتذ

قال: عقد فيه قوله تعالى (فاخلع نعليك أنك بالواد المقدس طوى) ومنها قول المأمون في رسوله إلى حبيبته:

بعثتك مشتاقاً ففزت بنظرة ... وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا

ورددت طرفا في محاسن وجهها ... ومتعت في أسماع نغمتها الاذنا

أرى أثراً منها بعينيك لم يكن ... لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا

قال عقد قول عثمان لأنس، وكان قد وقعت عينه على امرأته، فدخل عليه فقال: أراكم تدخلون علي وآثار الزناء عليكم. قال أنس: أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: لا ولكن فراسة صادقة.

وكل ذلك عند الجمهور ليس من العقد في شيء، لأنه نظم للمعنى دون اللفظ، حتى أنهم اشترطوا أنه أن غير الناظم من اللفظ شيئاً وجب أن يكون المبقى منه أكثر من المغير، بحيث يعرف من البقية صورة الجمع كقوله:

إن القلوب لأجناد مجندة ... والأذن من ربها تهوى وتأتلف

فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف

عقد فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها أختلف. فأن هذا الشاعر غير من لفظ الحديث، لكنه أتى بمعظمه، بحيث إذا سمعه السامع، وكان حافظا للحديث عرف أنه عقد له، بخلاف الأمثلة التي أوردها الطيبي.

الثاني، الفرق بين الاقتباس والعقد، أن الاقتباس ليس الغرض منه نظم معنى شيء من كلام الله أو رسوله] بل تضمين [شيء من ذلك على أنه ليس منه، بخلاف العقد كما عرفته في حد كل منهما.

الثالث، كما أن العقد وهو نظم المنثور معدود من المحاسن، كذلك عكسه وهو نثر المنظوم، ويسمى الحل، وشرف كونه مقبولاً أن يكون سبكه مختاراً لا يتقاصر عن سبك النظم، وأن يكون حسن الموقع، مسمرا في محله غير قلق، كقول الصاحب بن عباد في فتح قلعة (ما لبثوا أن رأوا معلقهم الحين، ومثواهم القديم نهزة الجفاف، وفرصة البوائق، ومجر العوالي ومجرى السوابق) .

حل قول أبي الطيب:

تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجر عوالينا ومجرى السوابق

وقول بعض المغاربة (فإنه لما قبحت فعلاته، وحنظلت نخلاته، لم يزل سوء الظن يقتاده، ويصدق توهمه الذي يعتاده.

حل فيه قول أبي الطيب أيضاً:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم

وفال السيد البطليوسي (فلئن هريق الشباب، واستشن الأديم وأقشع الرباب فلعل في الأفق ربابة، وفي الحوض صبابة.

حل فيه قول بعض الأعراب:

فقلت لها يا أم عمران أنه ... هريق شبابي واستشن أديمي

وقول القاضي عبد الحق بن عطية (ويعلم أن الزمن أن سر حيناً فهمه ناصب، والدنيا إذا أخضر منها جانب جف جانب.

حل فيه قول ابن عبد ربه:

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا أخضر منها جانب جف جانب

وقول الوزير ابن الدباغ في تعزية (من أي الثنايا طلعت النوائب، وأي حمى رتعت فيه المصائب.

حل فيه قول الشريف الرضى (ره) :

من أي الثنايا طالعتنا النوائب ... وأي حمى منا رعته المصائب

وقول مؤلفة عفا الله عنه (رقائق تحسد رقتها أنفاس النسيم، وقلائد تروع حالية العذراى فتلمس جانب العقد النظيم.

حل فيه قول المنازي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015