هذا بيت لا يطيق أحد أن يقوله ثلاث مرات متوالية ولا يتوقف فيه، لتنافر كلماته، وقيل: هو من شعر الجن. قال صاحب كتاب عجائب المخلوقات: في الجن نوع يقال له: الهاتف، صاح واحد منهم على حرب بن أمية بن عبد شمس فمات، فقال ذلك الجني هذا البيت فيه.

وقال التيفاشي: السهولة هي أن يأتي الشاعر بألفاظ سهلة ظريفة تتميز على ما سواها عند من له أدنى ذوق في الأدب، وهي مما يدل على رقة الحاشية وسلامة الطبع.

ومن أحسن أمثلة ذلك قول بعضهم:

أليس وعدتني يا قلب أني ... إذا ما تبت عن ليلى تتوب.

فها أنا تائب عن حب ليلى ... فمالك كلما ذكرت تذوب.

وان لا يكون كقول امرئ القيس:

غدائرها مستشزرات إلى العلا ... تضل العقاص في مثنى ومرسل.

قلت: ومن محاسن أمثلة هذا النوع أيضاً قول الحكم بن (قنبر المازني) :

ويلي على من أطار النوم وامتنعا ... وزاد قلبي على أوجاعه وجعا

كأنما الشمس من أعطافه لمعت ... حسنا أو البدر من أزراره طلعا

مستقبل بالذي تهوى وان كثرت ... منه الذنوب ومعذور متى صنعا

في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب وجيه حيثما شفعا

حكى أبو الحسين بن فارس قال: جرى في بعض الأيام بين الأستاذ ابن العميد ذكر أبيات استحسن الأستاذ وزنها، واستحلى ذوقها، فانشد جماعة من حضر ما حضرهم من ذلك الروي: وهو قول القائل:

لئن كففت وإلا ... شققت منك ثيابي.

فأصغى إلينا ابنه أبو الفتح ثم انشد في الوقت:

يا مولعا بعذابي ... أما رحمت شبابي

تركت قلبي جريحا ... نهب الأسى والتصابي

إن كنت تنكر ما بي ... من لوعتي واكتئابي

فارفع قليلا قليلا ... عن العظام ثيابي

قال الثعالبي: تأمل هذه الطريقة الظريفة، وانظر إلى هذا الطبع، فانه أتى بمثل ما أنشده في سياقته وخفته، وسهولته وظرافته، ولم يعد الجنس ولم يقصر دونه، فبذلك تعرف قدرة القادر على الخطابة والبلاغة.

وقول الوزير أبي محمد المهلبي: قال لي من أحب قد جسد ودمعي مواصل لشهيفي

ما الذي في الطريق تصنع بعدي ... قلت أبكي عليك طول الطريق.

وقوله أيضاً:

تصارمت الأجفان منذ صرمتني ... فما تلتقي ألا على عبرة تجري.

وقول أبي فراس بن حمدان:

يا ليل ما أغفل عما بي ... حبائي فيك وأحبابي

يا ليل نام الناس عن موجع ... ناء على مضجعه نابي

هبت له ريح شآمية ... متت إلى القلب بأسباب

أدت رسالات الهوى بيننا ... فهمتها من بين أصحابي.

وقوله أيضاً:

أساء فزادته الإساءة حظوة ... حبيب على ما كان منه حبيب

يعدُّ عليَّ الواشيان ذنوبه ... ومن أين للوجه المليح ذنوب

وقول أبي الفرج (المخزومي) الببغاء وهو مما يتغنى به:

يا سادتي هذه نفسي تودعكم ... إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع

قد كنت أطمح في روح الحياة لها ... فاليوم مذ بنتم لم يبق لي طمع

لا عذب الله روحي بالبقاء فما ... أظنها بعدكم بالعيش تنتفع

وقول أبي الفرج المعروف بالوأواء الدمشقي:

بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه

وعرضا بي وقولا في حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه

فان بدا لكما من سيدي غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه

وان تبسم قولا عن ملاطفة ... ما ضر لو بوصال منك تسعفه

وقوله وهو مما يتغنى به:

يا من سقام جفونه ... لفؤاد عاشقه طبيب.

حزت المودة فاستوى ... عندي حضورك والمغيب

كن كيف شئت من البعا ... د فأنت من قلبي قريب

وقوله أيضاً:

رماه ريم فأصا ... ب القلب منه اذ رمى

واحتج في قتلته ... بأنه ما علما

يا معشر الناس أما ... ينصفني من ظلما

علم سقم طرفه ... جسمي منه السقما

فسقم جسمي في الهوى ... من طرفه تعلما

لو قيل لي ما تشتهي ... مخيرا محكما

لقلت أن ألثمه ... نحرا وخدا وفما

وقول أبي الحسن بن المظفر بن نحرير البغدادي

خليلي ما أحلى صبوحي بدجلة ... وأطيب منه في الصراة غبوقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015