اللسن بالتحريك: الفصاحة. والمقول بالكسر كمنبر: اللسان. والعي بكسر العين المهملة: الحصر والعجز عن بيان الحجة. والوجم ككتف، من وجم عنده كوعد، أي سكت فزعا، والله أعلم.

ائتلاف اللفظ مع اللفظ.

وجاء بالفظ فيه وهو مؤتلف ... باللفظ يحدو به الحادون بالنغم.

هذا النوع للبديعين في تعريفه عبارتان: أحداهما ما ذكره الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته، وتبعه عليه جميع أصحاب البديعيات، وهو أن يكون في الكلام معنى يصح معه واحد من عدة معان، فيختار منها ما بين لفظه وما بين الكلام ائتلاف وملائمة وإن كان غيره يسد مسده.

كقول البحتري:

كالقسي المعطفات بل الأس ... هم مبرية بل الأوتار.

فإن تشبيه الإبل بالقسي من حيث هو كناية عن هزالها يصح معه تشبيهها بالعراجين والأهلة والإطناب ونحوها، فاختار من ذلك تشبيهها بالأسهم والأوتار، لما بينهما وبين القسي من الملائمة والائتلاف. انتهى.

ولا يخفى أن هذا التعريف والتمثيل شاملان لمراعاة النظير، وما ذكره في الفرق بينهما من ائتلاف اللفظ مع اللفظ هو أن يكون في الكلام ائتلاف وملائمة وإن كان غيره يسد مسده، ومراعاة النظير عبارة عن الجمع بين المتشابهات في النوعية فقط، تمحل وتكلف لا داعي إليه، وقد أشرنا إلى ذلك في ما تقدم من الكلام على مراعاة النظير.

الثانية ما ذكره الجلال السيوطي في الإتقان، وهو أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضا بأن يقرن القرين بمثله، رعاية لحسن الجوار والمناسبة، كقوله [تعالى] "تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا" أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء، فإنها أقل استعمالا وأبعد من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو، وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار وهو (تفتؤ) فإن (تزال) أقرب إلى الإفهام، وأكثر استعمالا من (تفتؤ) ، وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو (الحرض) فاقتضى حسن الوضع أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة، توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف الألفاظ، لتتعادل في الوضع، وتتناسب في النظم.

ولما أراد غير ذلك قال "واقسموا بالله جهد أيمانكم" فأتى بجميع الألفاظ ولا غرابة فيها، وهذا التعريف والتمثيل لهذا النوع هو الذي ينبغي المصير إليه والتعويل عليه، ليكون نوعا مستقلا مغايرا لمراعاة النظير. واعلم أن الكلام متى ائتلفت ألفاظه ومبانيه، وتناسبت مقاصده ومعانيه وقع من الفصاحة موقعه، وسكن من البلاغة موضعه، فاستهش الأنفس وأنق الأسماع، ونشط الأذهان واستخف الطباع، وربما نقل السامع من خلقه الطبيعي إلى ما يضاده، حتى أنه يسمع به البخيل، ويشجع به الجبان، ويحلم به الطائش.

ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن من البيان لسحراً. ولما أنشد أبو العتاهية بين يدي المهدي (والأشجع وبشار حاضران) قوله:

ألا ما لسيدتي ما لها ... تدل فأحمل إدلالها.

ألا إن جارية للإما ... م قد أسكن الحسن سربالها.

لقد أتعب الله قلبي بها ... وأتعب في اللوم عذالها.

حتى بلغ قوله:

كأن بعيني من أثر ما ... نظرت من الأرض تمثالها.

قال بشار- وكان أعمى-: يا أشجع انظر، هل جروا برجله؟ فقال: لا، بل زحف حتى صار إلى طرف السرير.

واستنشد أبا دلف أبي تمام قصيدته التي رثى بها محمد بن حميد، فلما بلغ قوله:

توفيت الآمال بعد محمد ... وأصبح في شغل عن السفر السفر.

وما كان إلا مال من قل ماله ... وذخرا لمن أمسى وليس له ذخر.

تردى ثياب الموت حمرا فما أتى ... له الليل إلا وهي من سندس خضر.

كأن بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر.

بكى أبو دلف وقال: وددت أنها في، فقال أبو تمام: بل يطيل الله بقاء الأمير وأفديه بنفسي، فقال: إنه لم يمت من قيل فيه هذا. فانظر إلى هذه الكريمة التي ترغب في الذكر الجميل، فيتمنى لأجلها الحمام، وهل ذلك إلا للسر الذي أودعه الله في بليغ الكلام؟.

وبيت بديعية الصفي قوله:

خاضوا عباب الوغى والخيل سابحة ... في بحر حرب بموج الموت ملتطم.

ولم ينظم ابن جابر ولا السيوطي هذا النوع.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

ساروا وجدوا النوى واللفظ مؤتلف ... من لسن دمعي بلفظ جد منسجم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015