أبكى بها الدين جفن الكفر حين جفت ... أجفانها وابتغت غمدا من القمم.

وبيت بديعيتي قولي:

هم المجاز إلى باب الجنان غدا ... فلست أخشى وهم لي زلة القدم.

فلفظة المجاز مجاز عن الهداة، لأنه بمعنى الطريق، من قولهم: جعلت كذا مجازا إلى حاجتي، أي طريقا إليها، وغنما جعله مجازا عن الهداية لاستلزام الهداة إياه، ولك أن تجعل من المجاز في البيت مصدرا ميميا بمعنى الجواز، فيكون من وصف الفاعل بالمصدر مثل رجل عدل، وهو أيضاً من المجال الحكمي عند أهل البيان، ومن تجوز الحقيقة بالاختصار عند البديعيين. ولم أقف على بيت السيوطي في هذا النوع. وأما الطبري فلم ينظمه في بديعيته، والله أعلم.

التفريع.

ما الروض غب الندى فاحت روائحه ... يوما بأضوع من تفريع نعتهم.

التفريع مصدر قولك: فرعت من هذا الأصل فروعا إذا استخرجتها. وفي الاصطلاح يطلق على معنيين: أحدهما ما ذكر الخطيب في التلخيص والإيضاح، وهو أن يثبت لمتعلق أمر حكما بعد إثبات ذلك الحكم لمتعلق له آخر، على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب.

كقول الكميت:

أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب.

فرع على وصفهم بشفاء أحلامهم لسقام الجهل، وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب، وهو بفتح اللام، شبه جنون يحدث للإنسان الكلب الكَلِب بكسر اللام، وهو الذي يأكل لحوم الناس فيأخذه بذلك شبه جنون لا يعض إنساناً إلا كلب، ولا دواء له انجح من شرب دم ملك. يعني انتم أرباب العقول الراجحة وملوك وأشراف.

وفي طريقته قول الحماسي:

بناة مكارم وأساة كلم ... دماؤكم من الكلب الشفاء.

وهذا المعنى للتفريع غير المشهور، ولم ينظمه أرباب البديعيات.

الثاني ما ذكره البديعيون والزنجاني في معيار النظار، وسماه بعضهم النفي والجحود، وهو أن يأخذ المتكلم في وصف فيقول: ما كذا، ويصفه بمعظم أوصافه اللائقة به في الحسن والقبح، ثم يجعله أصلا يفرع منه معنى فيقول: بأفعل من كذا، وهو المعنى المشهور للتفريع، وهو الذي نظمه أصحاب البديعيات.

ومثاله قول الأعشى:

ما روضة من رياض الحزن معشبا ... خضراء جاد عليها مسبل هطل.

يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل.

يوما بأطيب منه نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل.

وقول أبي علي تميم ابن المعز صاحب الديار المصرية:

وما أم خشف ضل يوما وليلة ... ببلقعة بيداء ظمآن صاديا.

تهيم فلا تدري إلى أين تنتهي ... مولهة حرى تجوب الفيافيا.

أضر بها حر الهجير فلم تجد ... لغتها من بارد الماء شافيا.

فلما دنت من خشفها انعطفت له ... فالفته ملهوف الجوانح طاويا.

بأوجع مني يوم شدت حمولهم ... ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا.

وما ألطف قول شهاب الدين محمود:

وفرع الحب الضنا في الحشا ... من مقل فيه منايا العباد.

فما ظبى أرهفها مرهف ... ليوم حرب من سيوف حداد.

يوماً بأمضى من سيوف بدت ... من كحل خالطها في حداد.

وقول ابن سناء الملك:

إليك فما بدر المقنع طالعا ... بأسحر من ألحاظ بدري المعمم.

يشير إلى المقنع الخراساني واسمه عطا، وكان قد ادعى الربوبية، وغلب على عقول قوم من العامة، بتمويهات أظهرها لهم بالسحر والنيرنجات، وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسيرة شهرين من موضعه ثم يغيب، فعظم اعتقادهم فيه.

وقد ذكر أبو العلاء المعري هذا القمر أيضاً في قوله:

أفق غنما البدر المقنع رأسه ... ضلال وغي مثل بدر المقنع.

وأنشد تغلب لبعض العرب:

وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقيه من ماء الحديد كبول.

قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون عويل.

يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل.

بأكثر مني لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل.

لأم فروة الفطفانية:

وما ماء مزن أي مزن تقوله ... تحدر من غر طوال الذوائب.

نفت نسمة الريح القذى عن متونه ... فليس به عيب تراه لشارب.

بمنعرج من بطن وادي تقابلت ... عليه رياح الصيف من كل جانب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015