عليك بالقصد فيما أنت طالبه ... أن التخلق يأتي بعده الخلق

فمعنى صدر هذا البيت معنى بيت القطامي بكماله, ومعنى عجزه زائد عليه لأنه تذييل, حيث أتى بعد تمام الكلام بجملة تشتمل على معناه تجري مجرى المثل السائر لتوليد المتقدم وتحقيقه.

وكقول ابن المعتز (فالشمس نمامة والليل قواد) أخذه أبو الطيب وكساه من شرف الألفاظ وبراعة النسج مالا مزيد عليه, وزاد فيه من حسن الطباق وملاحة التقسيم ما لم يسبق إلى مثله فقال:

أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي

قال ابن جني: حدثني المتنبي وقت القراءة عليه قال: قال لي ابن خنزابة وزير كافور: أعلمت أني أحضرت كتبي كلها, وجماعة من الأدباء, يطلبون لي من أين أخذت هذا المعنى فلم يظفروا بذلك -وكان أكثر من رأيت كتبا-. قال ابن جني ثم إني عثرت على الموضوع الذي أخذه منه وهو قول ابن المعتز المذكور.

وكقول أبي تمام:

يمدون بالبيض القواطع أيديا ... فهن سواء والسيوف القواطع

أخذه أبو الطيب أيضاً وزاده مبالغة بتجاهل العارف فقال:

همام إذا ما فارق الغمد سيفه ... وعاينته لم تدر أيهما النصل

وقول النابغة الذبياني:

وعيرني بنو ذبيان خشيته ... وهل علي بأن أخشاه من عار

أخذه الأخطل وزاده تشبيها وتذييلا فقال:

وأن أمير المؤمنين وفعله ... لكا لدهر لا عار بما صنع الدهر

وأمثلة هذا النوع أكثر من أن تحصى.

وبيت بديعية الصفي قوله:

من سبق لا يرى سوط لها سملا ... ولا جديد من الأرسان واللجم

قال في شرحه: أنه مولد من قول ابن الحجاج:

خرقت صفوفهم بأقب نهد ... مراح السوط متعوب العنان

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

مالي بتوليد مدحي في سواه هدى ... لمعشر شبهوا الهندي بالجلم

قال في شرحه: انه ولده من قول أبي الطيب:

فالعيس أعقل من قوم رأيتهم ... عما يراه من الإحسان عميانا

ثم قال في شرحه: ما شبه السيف بالمقص إلا أعمى. انتهى. وهو نوع من التعمية غريب, فإن بيت أبي الطيب بمعزل عن معنى بيته كما هو ظاهر.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

توليد نصرتهم يبدو بلطعته ... ما السبعة الشهب ما توليد رملهم

قال في شرحه: هذا المعنى ولدته من قول أبي تمام:

والنصر من شهب الأرماح طالعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أقول: إن ابن حجة لم يستحسن نوع التوليد من البديع, وقال في شرح بديعيته: هذا النوع ليس تحته كبير أمر, وهو على ضربين من الألفاظ والمعاني, فالذي من الألفاظ تركه أولى من استعماله, لأنه سرقة ظاهرة. انتهى. ومع ذلك فقد استعمل في بيت بديعيته قسمي التوليد, فأخذ من ألفاظ بيت أبي تمام النصر, والطلوع, والسبعة الشهب. وهذا هو التوليد اللفظي الذي ذكر أن تركة أولى من استعماله. وأخذ من معناه ما هو شاهد لنوع المقصود, وهذا هو التوليد المعنوي. وغيره من أصحاب البديعيات إنما استعمل التوليد المعنوي الذي هو من محاسن البديع.

وبيت بديعية المقري قوله:

فما يجار على مولاه في طلب ... لكن يجير ولا يكمو عليه كمي

قال في شرحه: هو مولد من قول صاحب البردة:

ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم

وبيت بديعية العلوي قوله:

لو مر في قلبه أن لا يضر فتى ... من الجحيم لما بالى من الضرم

قال في شرحه: هو مولد من قول كذا.

ولم ينظم السيوطي والطبري هذا النوع.

وبيت بديعيتي قولي:

للواصفين علاه كل آونة ... توليد معنى به الألفاظ لم تقم

هذا المعنى ولدته من قول أبي الطيب:

وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فان وجدت لسانا قائلا فقل

والزيادة في معنى بيتي ظاهرة وهي في قولي: كل آونة, وفي قولي: به الألفاظ لم تقم. والله أعلم.

الإبداع

إبداع مدحي لمن لم يبق من بدع ... أفاد ربحي فإن أطنبت لم ألم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015