داع كثير رماد القدر إن وصفت ... كناية بطنها والظهر بالدسم

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

قالوا طويل نجاد السيف قلت لهم ... لناره السن تكني عن الكرم

تبجح ابن حجة على جاري عادته بهذا البيت وقال: إن الناس كنوا بطول النجاد عن طول القامة, ولكن الكناية بألسن النيران عن كثرة الكرم والقرى لا يخفى استعارتها التي كادت تقوم مقام الحقيقة من المحاسن الظاهرة. انتهى.

وأنا أقول: كلامه يفهم أن هذه الكتابة والاستعارة هو أبو عذرها, وليس كذلك, فانه سرقهما من قول صردر الشاعر وأخل بكثير من محاسنه, حيث يقول:

قوم إذا حيا الضيوف جفانهم ... ردت عليهم ألسن النيران

فما زاد ابن حجة على أن نقص محاسن هذه الاستعارة, ونظمها في بيته, ثم جعل يتبجح المخترع المبتكر, وما أشبه حاله بما حكي أن رجلا كان واقفا بين الناس ينظر إلى خيل تتسابق, فسبق منها جواد, فصفق بيديه وكاد يطير فرحا, فقيل له: أهذا الجواد لك؟ فقال ولكن اللجام لي.

وبيت بديعية المقري قوله:

بيض تركن وجوه الضاربين بها ... كمثلها وقنا أجرت قناة دم

قال في شرحه: الكناية فيه قولها: كمثلها, أي تركن وجوههم بيضا, كنى بذلك عن كونها قاطعة, لأن الضارب إذا قطع سيفه أبيض وجهه, وإذا خانه سيفه أخجله.

وبيت بديعية العلوي قوله:

إذ شاهد الآية الكبرى بمقلته ... خصيصة دون خلق الله كلهم

وبيت بديعيتي قولي:

سامي الكناية مهزول الفصيل إذا ... ما جاءه الضيف أبدى بشر مبتسم

الكناية في قولي: مهزول الفصيل, وهو كناية عن المضياف, وفسرت على وجهين: أحدهما ما تقدم من أنه يستفرغ للضيفان جميع ما في ضروع أبله من اللبن, بحيث لا يبقى لفصالها ما تغتذي به, فلا تزال مهزولة. والثاني أنه ينجز المتليات من الإبل للضيفان, فتفقد الفصال أمهاتها فتهزل بسبب ذلك, وهذا الوجه أحسن من الأول لما فيه من المبالغة في المدح, فإن العرب لكمال عنايتها بالنوق قلما تنحر المتليات منها, والله أعلم.

الترتيب

شمس وبدر ونجم يستضاء به ... ترتيبه ازدان من فرع إلى قدم

هذا النوع استخرجه شرف الدين التيفاشي, وسماه بهذا الاسم وقال: هو إيراد أوصاف شتى لموصوف واحد, في بيت أو أكثر, على ترتيبها في الخلقة الطبيعية, من غير إدخال وصف زائد عما يوجد علمه في الذهن, أو في العيان.

كقول مسلم بن الوليد:

هيفاء في فرعها ليل على قمر ... على قضيب على حقف النقا الدهس

فان الأوصاف الأربعة فيه على ترتيب خلق الإنسان من الأعلى إلى الأسفل.

وبيت بديعية صفي الدين الحلي:

كالنار منه رياح الموت قد عصفت ... روى صرى مائه أرض الوغى بدم

قال في شرحه: هو على ترتيب العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

له الملائك والإنسان أجمعهم ... والجن والوحش في الترتيب كالخدم

قال في شرحه: على ترتيب المخلوقات: الملائك والأنس والجن والوحش.

وبيت بديعية ابن حجة قوله: ترتب الحيوانات السلام له=والنبت جماد الصخر في الأكم قال في شرحه: هو على ترتيب الموجودات, وهي الحيوان والنبات والجماد.

وبيت بديعية المقري قوله:

في وجهه قمر في درعه زأر ... في كفه قدر فيه ضرى الضرم

قال في شرحه: الترتيب فيه ظاهر, فإن ما في الوجه مقدم على ما فيه من الضرم, لأن الصفة تابعة للموصوف. هذا نصه, ولا أعجب من دعوى الظهور مع هذا الخفاء.

وبيت بديعية العلوي قوله:

فالرأس مغمدها والحلق موردها ... والقلب مسلكها والترب في القدم

ولم ينظم السيوطي ولا الطبري هذا النوع.

وبيت بديعيتي قولي:

شمس وبدر ونجم يستضاء له ... ترتيبه ازدان من فرع إلى قدم

الترتيب فيه ظاهر, فانه شبهه صلى الله عليه وآله وسلم بالنيرات الثلاث, ورتبها في الذكر على ترتيبها في الخلقة الطبيعية, فإن الشمس أعظم من البدر وصفا وجرما, والبدر أعظم من النجم كذلك, والله أعلم.

المشاركة

جلت معاليه قدرا عن مشاركة ... وهو الزعيم زعيم القادة البهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015