ومن أمثلته أيضاً في هذا الحديث - أعني حديث أم زرع - قوله عليه السلام حكاية عن المرأة الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعث لا سهل فيرقى، ولا سمين فينتقى. فإنها أرادت وصفه بقلة الخير مع تعذر الوصول إليه لسوء أخلاقه، فمثلته بلحم الجمل المهزول الذي وضع على رأس جبل وعر لا يرتقى إليه، ودلت على هزال اللحم الممثل به بعدم إمكان استخراج نقيه - وهو المخ - لقلته، وهو دليل الهزال. فتضمن ذلك وصفه بقلة خيره وشكاسة أخلاقه التي لا ينال معها شيء من خيره على قلته.

قلت: ولعل الواقف على هذا المقدار من حديث أم زرع يتشوق إلى الاطلاع على سائر الحديث، فلا بأس بذكر جميعه تتميما للفائدة وتعميما للعائدة.

أخرج البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو عبيدة، والهيثم بن عدي، والحارث بن أبي أسامة، والإسماعيلي، وابن السكيت، والأنباري، وأبو يعلى، والزبير بن بكار، والطبراني، وغيرهم، واللفظ لمجموعهم (والمحدثون يعبرون عن هذا بقولهم: دخل حديث بعضهم في بعض) .

عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة من أهل اليمن، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا.

قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعث، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى.

قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذكره أذكر عجره وبجره.

قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن انطق أطلق وإن أسكت أعلق على حد السنان المذلق.

قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا وخامة ولا سآمة والغيث غيث غمامة.

قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، ولا يدفع اليوم لغد.

قالت السادسة: زوجي إن أكل اقتف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، وإن ذبح اغتث، ولا يولج الكف ليعلم البث.

قالت السابعة: زوجي عياياء، أو غياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك، أو بجك، أو فلك، أو جمع كلا لك.

قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، وأنا أغلبه، والناس تغلب.

قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، لا يشبع ليلة يضاف، ولا يرقد ليلة يخاف.

قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك وهو أمام القوم في المهالك.

قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع وما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت نفسي إلي. وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل واطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح، وآكل فأتمنح.

أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رادح، وبيتها فساح.

ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة، وترويه فيقة اليعرة، ويميس في حلق النثرة.

بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها، وزين أهلها ونسائها، وملء كسائها، وصفر ردائها، وغيظ جارتها، قباء هضيمة الحشا، جائلة الوشاح، عكناء فعماء، نجلاء دعجاء، رجاء زجاء قنواء، مؤنقة مفنقة، برود الظل، وفي الإل، كريمة الخل.

جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تبثث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تغثث طعامنا تغثيثا.

ضيف أبي زرع فما ضيف أبي زرع؟ في شبع وري ورتع.

طهاة أبي زرع فما طهاة أبي زرع؟ لا تقتر ولا تعرى، تقدح وتنصب أخرى، فتلحق الأخرى بالأولى.

مال أبي زرع فما مال أبي زرع؟ على الجمم معكوس، وعلى العفاة محبوس.

قالت: خرج أبو زرع من عندي والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها، كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فنكحها فأعجبته فلم تزل به حتى طلقني، فاستبدلت - وكل بدل أعور - فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا، وأخذ خطيا؛ وأراح علي نعما ثريا؛ وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك.

قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.

قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، إلا أنه طلقها وأني لا أطلقك. فقالت عائشة: بأبي أنت وأمي، لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع.

تفسير الغريب من هذا الحديث وضبط ألفاظه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015