وإذا اكتسى الإنسان قيل تمثلا ... في المدح قامت حدبة الإنسان.

يفديك في الحدبان كل مكوبج ... يمشي الهوينا مشية السرطان.

متجمع الكتفين اقنص قد بدا ... في هيبة المتشجع الصفعان.

وإذ قد ذكرنا هاتين القصيدتين في صفة الأحدب، فلنذكر ما حضرنا في معنى ذلك وإن كان خارجا من النوع، ليقترن بما قبله، وينضم إلى ما في معناه، فإنما هذا الكتاب مجموع أدب، ولابد فيه من الاستطراد، فنقول: أين هذه الصفات المذكورة.

من قول ابن عنين في القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني وكان أحدب:

حاشى لعبد الرحيم سيدنا ال ... قاضي مما يقوله السفل.

يكذب من قال أن حدبته ... في ظهره من عبيده حبل.

ومن بدائع ابن خفاجة الأندلسي في ساق أسود أحدب:

وكاس أنس قد جلتها المنى ... فباتت النفس بها معرسه.

طاف بها أسود محدودب ... يطرب من يلهو به مجلسه.

فخلته من سبج ربوة ... قد أنبت من ذهب نرجسه.

ولعبد الله بن الطباخ في أحدب:

قصرت أخادعه وغاض قذاله ... فكأنه متوقع أن يصفعا.

وكأنه قد ذاق صفعا مرة ... وأحس ثانية بها فتجمعا.

ويحكى أن الأسعد بن مماتي دخل على القاضي الفاضل يوما، فوجد غلى جانبه أترجة غريبة الشكل، فجعل يرمقها بطرفه، فقال له القاضي: أراك تطيل النظر إليها، قال: أتعجب من شكلها، وبديع خلقها. فقال القاضي: وأيضا لها نسبة بنا، فقال: سبحان الله، وخجل، ثم قال: إنما أطلت النظر إليها لأني نظمت فيها بيتين، قال: وما هما؟ فأنشد:

لله بل للحسن أترجة ... قد أذكرتنا بجنان النعيم.

كأنها قد جمعت نفسها ... من هيبة الفاضل عبد الرحيم.

فأعجبه ذلك وزال ما كان عنده، ثم خرج الأسعد فذكر القصة لبعض إخوانه الظرفاء فقال: أحمد الله للذي أنشدتهما من لفظك، ولم تكتبهما إليه، فإنه ربما صحف لفظة (هيبة) بهيئة بالهمز فازداد حنقا.

رجع- ولم أسمع في نوع التهكم أظرف من قول أبي نواس يتهكم على نفسه، وقد أظهر التوبة والإقلاع عن المعاصي على يد الفضل بن الربيع:

أنت يا ابن الربيع علمتني الخي ... ر وعودتنيه والخير عاده.

فارعوى باطلي وراجعني الحل ... م وأحدثت توبة وزهاده.

من خشوع أزينه بنحول ... واصفرار مثل اصفرار الجراده.

التسابيح في ذراعي والمصح ... ف في لبتي مكان القلاده.

فادع بي لا عدمت تقويم مثلي ... وتأمل بعينيك السجادة.

تر أثرا من الصلاة بوجهي ... توقن النفس أنه من عبادة.

لو رآها بعض المرائين يوما ... لاشتراها يعدها للشهادة.

ولقد طالما أبيت ولكن ... أدركتني على يديك السعادة.

ومن الحكايات اللطيفة في هذا النوع، أن أبا دلامة دخل على المهدي وسلمة الوصيف واقف بين يديه، فقال أبو دلامة: قد أهديت لك يا أمير المؤمنين مهرا ليس لأحد مثله، فإن رأيت أن تشرفني بقبوله، فأمر بإدخاله إليه؛ فخرج وأدخل فرسه الذي كان تحته، فإذا هو برذون محطم أعجف هرم.

فقال له المهدي: أي شيء ويلك هذا؟ ألم تزعم أنه مهر؟ فقال: أوليس هذا سلمة الوصيف بين يديك، فإنما تسميه الوصيف وله ثمانون سنة، وهو يعد عندك وصيفا؟ فإن كان سلمة وصيفا فهذا مهر، فجعل سلمة يشتمه، والمهدي يضحك، ثم قال سلمة: ويحك إن لهذه منه أخوات، وإن أتى بمثلها في محفل؛ فضحك؛ فقال أبو دلامة: أي والله يا أمير المؤمنين؛ لأفضحنه، فليس أحد في مواليك إلا وصلني غيره، فإني ما شربت له الماء قط. ثم إن المهدي أصلح بينهما. وهذا من التهكم الذي يعد من النوادر.

تنبيهان

تنبيهان الأول- قال ابن حجة: هذا النوع أعني التهكم؛ ذكر ابن أبي الإصبع في كتابه التحرير: إنه من مخترعاته، ولم يره في كتب من تقدمه من أئمة البديع والعميان لم ينظموه في بديعيتهم وقنع الشهاب محمود (في كتابه المسمى بحسن التوسل) من أشجار معاليه بالشميم، فإنه ذكر بعض شواهده، ولم يأت له بحمد تمشي الإفهام فيه إلى صراط مستقيم، لكن ابن أبي الإصبع أزال بكارة أشكاله فكان أبا عذرته، وأرضع الأذواق لبانة فهمه، فكان فارس حلبته. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015