إن الغريب طويل الذيل ممتهن ... فكيف حال غريب ماله قوت.

فأنه يسوغ أن يقال في قافيته: ماله مال، ماله نسب، ماله صفد، ماله أحد؛ ماله قوت. فإذا نظرت إلى هذه القوافي، وجدت قوله: ماله قوت؛ أبلغ من الجميع؛ لكونها أدل على الفاقة؛ وأظهر في شكوى الحال من غيرها.

وذكر ابن حجة في هذا النوع آية من كتاب الله تعالى؛ وعدها منه وهو غير صواب؛ بل هي من نوع التمكين قطعا؛ إذ مفهوم التغيير أنه يسوغ أن يؤتى في مكان الفاصلة بفاصلة أخرى؛ لولا ما حظر الشرع من ذلك؛ وليس كذلك؛ فإن القرآن العظيم نزل على أكمل الوجوه لفظا ومعنى، بحيث لا يمكن لأحد أن يغير فيه حرفا واحدا، وإن خفي على بعض الحكماء وجه الحكمة في بعض الألفاظ والفواصل، وتوهم انه يمكن تغييرها، فهو من غباوته وجهله بمواقع الألفاظ. والآية التي أعدها ابن حجة من هذا النوع عدها غيره من التمكين، وسنذكر شيئا من ذلك في نوع من التمكين، عند إفضاء النوبة إليه مع مشيئة الله تعالى.

ولم يسمع في هذا النوع الطف من أبيات ديك الجن:

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي عند المنام ... عند الرقاد عند الهجوع عند الهجود عند الوسن.

فعسى أنام فتنطفي نار تأجج في عظامي ... في فؤادي في ضلوعي في كبودي في البدن.

جسد تقلبه الأكف على الفراش من السقام ... من القتاد من الدموع من الوقود من الحزن.

أما أنا فكما علمت فهل لوصلك دوام ... من معاد من رجوع من وجود من ثمن.

فهذه القوافي المثبتة حيال كل بيت، يناسب كل منه المعنى، لكن الأولى أولى.

وذكر الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح اللامية أن ابن الذروي نظم قصيدة مطلعها:

نوى اطلعت منه القفار البسابس ... نخيل مطي طلعهن أوانس.

وهي تزيد على العشرين بيتا، جعل لكل بيت أربعا وعشرين قافية وهذه القصيدة تنشد أربعا وعشرين قصيدة، وهذا غاية في القدرة.

وصنع أبو القاسم علي بن منجب المعروف بابن الصيرفي بيتين وهما:

لما غدوت مليك الأرض أفضل من ... جلت مفاخره عن كل إطراء.

تناثرت أدوات النطق فيك على ... ما يصنع الناس من نظم وإنشاء.

ثم أنه روى البيتين على جميع حروف المعجم.

وأما الشعر الذي على قافيتين فكثير جدا من ذلك قول ابن الرومي:

لم تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد يوضع.

وإلا فما يبكيه منها وإنها ... لا فسح مما كان فيه وأرغد وأوسع.

إذا أبصر الدنيا استهل كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يهدد يفزع.

ولسيف الدين قصيدة على هذا النط أولها:

أسقني الراح قد تجلى النهار (الظلام) وتغنى على الأراك الهزاز ... الحمام.

وبدا الروض في ثياب من الزهر شذاها بنفسج وعرار وثمام.

فاسقنيها مثل الورود احمرارا ... وكثغر الحبيب فيه افترار ابتسام.

قهوة لزة رحيق شول ... قرقف لذة سلاف عقار مدام.

من يدي أوطف الجفون غرير ... زانه الخصر واللمى والعذار والقوام.

بدر تم يلوح في زي ظبي ... قصرت عن صفاته الأفكار الإفهام.

ثم أنه سار على هذا النموذج غلى تمام احد وعشرين بيتا.

ولأبي قاسم محمد بن جزى المغربي:

أيا من كففت النفس عنه تعففا ... وفي النفس من شوقي إليه غرام لهيب.

إلا إنما صبري كصبر وإنما ... على النفس من تقوى الإله لجام رقيب.

ومما يناسب ذكره هنا، ما روى أصحاب الحديث من حيث محمد بن كعب القوظي، قال: بينما عمر بن الخطاب جالسا إذ مر به رجل، فقيل: يا أمير المؤمنين، هذا سواد بن قارب الذي أتاه رأيه بظهور النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر: أنت سواد بن قارب؟ قال: نعم، قال: أنت على ما أنت من الكهانة؟ فغضب، فقال عمر: سبحان الله، ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه، فاخبرني بإتيانك رأيك بظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: بينما أنا ذات ليلة نائم، إذ أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد القارب. فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، أنه قد بعث رسول من لوي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته.

ثم انشأ يقولك

عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس باقتابه.

تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذابها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015