نم يا صغيري (أرملة الشهيد تهدهد طفلها)

نم يا صغيري (أرملة الشهيد تهدهد طفلها) لـ (هاشم الرفاعي)

فارق الدنيا بعد ما أدَّي الأمانة .. وغدى عند الله في أعلى منازل الجنَّة .. وترك لزوجه فلذة كبده أمانة .. وهي لن تخون الأمانة

نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجاء

من مقلة سهرت لآلام تثور مع المساء

فأصوغها لحناً مقاطعه تأجج في الدماء

أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكاء

وأمدُّ كفي للسماء لأستحث خطى السماء

نم لا تشاركني المرارة والمحن

فلسوف أرضعك الجراح مع اللبن

حتي أنال علي يديك مني وهبت لها الحياة

يا من رأي الدنيا، ولكن لم يري فيها أباه

ستمرُّ أعوام طوال في الأنين وفي العذاب

وأراك يا ولدي قويَّ الخطو موفور الشباب

تأوي إلي أمٍّ محطَّمةٍ مغضَّنة الإهاب

وهناك تسألني كثيراً عن أبيك، وكيف غاب

هذا سؤال يا صغيري قد أعد له الجواب

فلئن حييت فسوف أسرده عليك

أو متُّ فانظر من يُسرُّ به إليك

فإذا عرفت جريمة الجاني وما اقترفت يداه

فانثر علي قبري وقبر أبيك شيئاً من دماه

غدك الذي كنَّا نؤمل أن يصاغ من الورود

نسجوه من نارٍ ومن ظُلم تدجج بالحديد

فلكل مولود مكان بين أسراب العبيد

المسلمين ظهورهم للسوط في أيدي الجنود

والزاكمين أنوفهم بالتُّربِ من طول السجود

فلقد ولدت لكي تري إذلال أمَّة

غفلت فعاشت في دياجير المُلِمَّة

مات الأبُّي بها، ولم نسمع بصوت قد بكاه

وسعوا إلي الشاكي الحزين فألجموا بالرُّعب فاه

أما حكايتنا فمن لون الحكايات القديمة

تلك التي يمضي بها التاريخ داميةً أليمة

الحاكم الجبَّار .. والبطش المسَلَّحُ والجريمة

وشريعة لم تعترف بالرأي أو شرف الخصومة

ما عاد في تنُّورها لحضارة الإنسان قيمة

الحرُّ يعرف ما تريد المحكمة

وقضاته سلفا قد ارتشفوا دمه

لا يرتجي دفعاً لبهتان رماه به الطغاة

المجرمون الجالسون علي كراسي القضاة

حكموا بما شاءوا وسيق أبوك في أغلاله

قد كان يرجو رحمة للناس من جلاَّده

ما كان يرحمه الإِله يخون حبَّ بلاده

لكنه كيد المذلُ بجنده وعتاده

المشتهي سفك الدماء علي ثري روَّاده

كذبوا وقالوا عن بطولته خيانة

وأمامنا التقرير ينطق بالإِدانة

هذا الذي قالوه عنه غداً يردَّد عن سواه

ما دمت أبحث عن أبيٍّ في البلاد ولا أراه

هو مشهد من قَصَّةٍ حمراء في أرض خضيبة

كُتبت وقائعه علي جدر مُضَّرجَةٍ رهيبة

قد شادها الطغيان أكفاناً لعزَّتنا السليبة

مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبة

والناس في صمت وقد عقدت لسانهم المصيبة

حتي صدي الهمسات غشَّاهُ الوهن

لا تنطقوا إن الجدار له أذن ..

وتخاذلوا، والظالمون نعالهم فوق الجباه

كشياه جزَّارٍ .. وهل تستنكر الذبح الشياه؟

.

لا تصغ يا ولدي إلي ما لفقوه وردَّدُوه

من أنَّهم قاموا إلي الوطن السليب فحرروه

لو كان حقَّا ذاك ما جاروا عليه وكبَّلوه

ولما رموا بالحرِّ في كهف العذاب ليقتلوه

ولما مشوا للحق في وهج السلاح فأخرسوه

هذا الذي كتبوه مسموم المذاق

لم يبق مسموعاً سوي صوت النفاق

صوت الذين يقدَّسون الفرد من دون الإله

ويسبِّحون بحمده ويقدِّمون له الصلاة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015