وإذا عرفت هذا، فالناصب للقمر فعل مقدّر، معطوف على الفعل الذى انسبك منه ومن «أن» المصدر الذى هو التقدير، فالقمر داخل بالعطف فى صلة التقدير، فكأنه قال: ذلك أن قدّره العزيز العليم، وقدّر القمر، أى قدّر جريان القمر، ثم استأنف الجملة التى بعده، فقال: قدّرناه منازل، أى قدّرنا له منازل، وحذفت اللام هاهنا كما حذفت من قوله: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً} (?) أى: ويبغون لها عوجا، فعلى هذا التقدير الذى قدّرته، لا يكون {قَدَّرْناهُ} مفسّرا لناصب القمر، بل يكون جملة مستأنفة، فى استئنافها التخلّص من كون الفعل المفسّر متعدّيا بالجارّ، فتأمّل ما قرّرته فى هذا الفصل فهو ممّا خطر لى.

ومن هذا الضّرب قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ} (?) حسن النصب هاهنا بإضمار {أَغْرَقْنا»} لتقدّم قوله: {اِذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ} ثم جاء بعدها: {وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ} فأضمر (?) ناصب غير «أغرقنا»، وتقديره: وأهلكنا عادا، ثم جاء: {وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ} فأضمر فعل ثالث، فالتقدير: ووعظنا كلاّ، لأنّ ضرب الأمثال وعظ، ثم جاء: {وَكُلاًّ تَبَّرْنا} فلم يضمر ناصب لكلّ، لأن {تَبَّرْنا} لم يشتغل عن العمل فيه.

وقد ورد فى التنزيل حرف منصوب، نصبه فى الظاهر خارج عن القياس، لأنه لا داعى إلى النصب فيه ظاهرا، والقراء مجتمعون على النصب فيه، وهو {كُلَّ} فى قوله تعالى: {إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} (?) أجمع البصريون على أنّ

-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015