وأحب لؤلؤ التفرد بالملك، فسيّر أبا الحسن أبو المعالي ابن سعيد الدولة عن حلب إلى مصر مع حرم سعد الدولة، في سنة 394. وحصل الأمر له ولولده مرتضى الدولة أبي نصر منصور بن لؤلؤ.

وقبض لؤلؤ على أحمد بن الحسين الأصفر بخديعة خدعه بها، وذلك أنه طلب أن يدخل إليه إلى حلب، وأهمه أن يصير من قبله، فلما حصل عنده قبض عليه، وجعله في القلعة مكرماً. لأنه كان يهوّل به إلى الروم.

وكان هذا الأصفر قد عبر من الجزيرة إلى الشام، مظهراً غزو الروم، فتبعه خلق عظيم، وكان يكون في اليوم في ثلاثين ألفاً ثم يصير في يوم آخر في عشرة آلاف وأكثر وأقل.

ونزل على شيزر وطال أمره، فاشتكاه باسيل ملك الروم إلى الحاكم، فسيّر إليه والي دمشق في عسكر عظيم، فطرده عنها، ودام معتقلاً في قلعة حلب إلى أن حصلت للمغاربة في سنة 406.

وتوفي قاضي حلب أبو طاهر صالح بن جعفر بن عبد الوهاب بن احمد الصالحي الهاشمي؛ مؤلف كتاب الحنين إلى الأوطان في سنة 397. وكان فاضلاً، وأظن أن ولايته القضاء كانت بعد أيام سعيد الدولة، بعد القاضي أبي محمد عبيد الله بن محمد بن أحمد.

وولّى لؤلؤ قضاء حلب في هذه السنة أبا الفضل عبد الواحد بن أحمد بن الفضل الهاشمي.

وتوفي لؤلؤ الكبير بحلب في سلخ ذي الحجة من سنة 399. وقيل: ليلة الأحد مستهل المحرم سنة 400. ودفن بحلب، في مسجده المعروف به فيما بين باب اليهود وباب الجنان وكانت داره القصر باب الجنان، وله منها إلى المسجد سربٌ يدخل فيه إلى المسجد فيصلي فيه.

وكان لؤلؤ يعرف بلؤلؤ الحجراني. ويعرف بذلك لأنه كان مولى حجراج، أحد غلمان سيف الدولة، فأخذه منه وسماه لؤلؤ الكبير، وكان عاقلاً محباً للعلماء والعدل، شهماً وظهرت منه في بعض غزوات سيف الدولة شهامة، فتقدم على جماعة رفقته من السيفية والسعدية.

وتقرّرت إمارة حلب بعده لابنه أبي نصر منصور بن لؤلؤ ولقب مرتضى الدولة، وكان ظالماً عسوفاً، فأبغضه الحلبيون وهجوه هجواً كثيراً، فمما قيل فيه:

لم تلقّب وإنّما قيل فألاً ... مرتضى الدّولة الّتي أنت فيها

وسيّر مرتضى الدولة ولديه أبا الغنائم وأبا البركات إلى الحاكم وافدين عليه، فأعطاهما مالاً جسيماً، وأقطعهما سبع ضياع في بلد فلسطين، ولقب أباهما مرتضى الدولة، وكان ذلك قبل موت لؤلؤ بسنة.

وكان لسعد الدولة بن سيف الدولة بحلب ولد يقال له أبو الهيجاء، وكان قد وصّى سعد الدولة لؤلؤاً لما مات به، فلما أن ملك لؤلؤ خاف منه، وضيّق عليه لؤلؤ ومرتضى الدولة، وكان قد صاهر ممهد الدولة أبا منصور أحمد بن مروان صاح ديار بكر على ابنته، وأظن ذلك كان في أيام أبيه.

فخاف أبو الهيجاء من لؤلؤ وابنه مرتضى الدولة، فتحدث مع رجل نصراني يعرف بملكونا. كان تاجراً وبزّازاً لمرتضى الدولة فأخرجه من حلب هارباً، والتجأ إلى ملك الروم فلقبه الماخسطرس.

فلما كثر ظلم منصور وعسفه رغب الرعية وبنو كلاب المتدبرون ببلد حلب في أبي الهيجاء بن سعد الدولة، وكاتبوا صهره ممهّد الدّولة بن مروان في مكاتبة باسيل ملك الروم في إنفاذه إليهم.

وأنفذ إلى الملك يسأله تسيير أبي الهيجاء إليه ليتعاضدا على حلب، ويكون من قبله من حيث لا يكلفه إنجاده برجال ولا مال.

فأذن باسيل لأبي الهيجاء في ذلك، فوصل إلى صهره بميّافارقين، فسيّر معه مائتي فارس وخزانه، وكاتب بني كلاب بالانضمام إليه.

وسار قاصداً حلب في سنة 400. فخافه منصور، ورأى أن يستصلح بني كلاب، ويقطعهم عنه، لتضعف منّته، فراسلهم ووعدهم بإقطاعات سنية، وحلف لهم أن يساهمهم أعمال حلب البّرانيّة.

واستنجد مرتضى الدولة بالحاكم، وشرط له أن يقيم بحلب والياً من قبله، فأنفذ إليه عسكر طرابلس مع القاضي علي بن عبد الواحد بن حيدرة قاضي طرابلس، وأبي سعادة القائد والي طرابلس، في عسكر كثيف، فالتقوا بالنقرة.

وتقاعدت العرب عن أبي الهيجاء لما تقدّم من وعود مرتضى الدولة لهم، فانهزم أبو الهيجاء راجعاً إلى بلد الروم ونهبت خيامه وجميع ما كان معه.

ثم دخل إلى القسطنطينية فأقام بها إلى أن مات.

وكان الحاكم قد كتب لمنصور بن لؤلؤ في شهر رمضان من سنة 404 سجلاً، وقرئ في القصر بالقاهرة، بتمليكه حلب وأعمالها، ولقب فيه مرتضى الدولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015