نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) {قال قتادة رحمه الله: لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وأن أسراهم يومئذ لأهل الشَرك.

وقال ابن جرير الطّبري: وأسيراً: هو الحربي من أهل دار الحرب، يؤخذ قهراً بالغلبة، أومن أهل القبلة يؤخذ فيحبس بحق، فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرباً بذلك إلى الله، وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم ... انتهى.

وبالجملة فإن فقه التعامل مع الكفار المُسالمين (غير المحاربين) شأنه كشأن كثير من أبواب الفقه الإسلامي فيه مسائل مُحكمة ومتفق عليها بين أهل العلم المحققين وفيه مسائل مُختلف فيها, وبناءً على ذلك سنشرع ببيان بعض أحكام التعامل مع الكفار المُسالمين المتفق عليها والذي ينبغي أن لا يُختلف فيها.

فإليك بعض أحكام التعامل معهم المتفق عليها:

الأول: العمل على دعوتهم إلى الله –سبحانه- بالوسائل المشروعة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيٌُر لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري، ومسلم من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه-. وقال تعالى:} ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {فالبراءة من غير المسلّم، وعدم مودته لا تعني حجب دعوة الإسلام عنه، وتركه في الضلال، بل يجب على المسلم أن يدعوا الناس إلى الخير، وأن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحرص على هدايتهم , وهل هناك خير أحسن وأعظم للكافر من هدايته

للإسلام؟ وعليه فمن أعظم أنواع البر والإحسان إليه؛ دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة , ومن الموعظة الحسنة ما قاله تعالى للأسرى المشركين} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {وهذا غاية الملاينة والملاطفة في دعوتهم إلى الإسلام، وأنّ الله سيعوضهم عن الفدية التي أخذت منهم إن هم أذعنوا للإسلام وآبوا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

الثاني: الحذر من ظلمهم؛ لأن الظلم حرام مُطلقاً، فلا يجوز أن يُظلم أحد منهم في نفس أو مال أو عرض، فالذمي والمستأمن والمعاهد في دولة الإسلام وظل شريعة الرحمن يُؤدى إليه حقه، فلا يُظلم مثلاً في عرضه بغيبة أو نميمة، ولا في ماله بسرقة أو غش أو خيانة، ولا في بدنه بضرب أو قتل؛ لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه, قال تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {قال ابن جرير في تفسيرها:

لا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم؛ فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة .. انتهى. والآيات التي فيها الأمر بوجوب العدل مع الناس جميعهم كثيرة، منها: قوله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}. وقال تعالى:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015