الفصل الأول وفيه مباحث:

البحث الأول

ينقسم المناسب باعتبار مناسبته للحكم إلى: حقيقي، وإقناعي، فالحقيقي هو الذي لا تزول مناسبته بالبحث والتأمل، بل تزداد وضوحاً كلما زاد البحث والتأمل فيه، كالإسكار، فإنه مناسب للتحريم من حيث أن تحريم المسكر يترتب عليه حفظ العقول، وكالقتل العمد العدوان، فإنه مناسب لوجوب القصاص لأن في ترتيب وجوب القصاص على القتل العمد العدوان حفظ النفوس.

والمناسبة في كل من المثالين لا تزول بالتأمل، والتفكر، بل تزداد وضوحاً كلما زاد التأمل والتفكر.

وأما الاقناعي، فهر الذي تتخيل مناسبته في أول الأمر، غير أنه إذا سلط عليه البحث، وسدد إليه النظر ظهر عدم مناسبته.

مثاله: تعليل الشافعي رحمه الله تحريم بيع الخمر والميتة وسائر النجاسات بنجاستها، وقياس الكلب والخنزير عليها.

ووجه المناسبة أن كونه نجساً يناسب إذلاله، واجتنابه، ومقابلته بالمال يناسب إعزازه، والجمع بينهما متناقض.

فهذا وإن كان يظن به في الظاهر أنه مناسب، لكنه في الحقيقة يظهر بالتأمل أنه ليس كذلك، لأن كونه نجساً معناه أنه لا تجوز الصلاة معه، ولا مناسبة بين بطلان الصلاة باستصحابه فيها، وبين المنع من بيعه1.

ونقل المطيعي أن التاج السبكي اعترض في تكملة الابتهاج على عدم المناسبة في هذا المثال بقوله: "ولقائل أن يقول: لا نسلم أن المعنى يكونه نجساً منع الصلاة فيه، بل ذلك من جملة أحكام النجس، وحينئذ فالتعليل بكون النجاسة تناسب إذلاله ليس بإقناعي، "لأنه من جملة أحكام النجس، وتعليل منع بيع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015