فكلها تنفي الغاية والحكمة من وجود هذا العالم, ولا ترى فيه إلا العبثية المطلقة كما قال الشاعر الجاهلي قديما:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ... ومن تخطئ يعمر فيهرم

وقالوا: ما هي إلا أرحام تدفع، وقبور تبلع وما يهلكنا إلا الدهر. وكما عبر القرآن الكريم عن موقفهم بقوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] .

ولقد ترتب على هذا الموقف الرافض للغاية والحكمة الإلهية من الوجود والقائل بالعبثية أن فتش هؤلاء فيما تحت أيديهم من أقوال فلم يجدوا للوجود معنى ولا للحياة قيمة، وانعكس هذا التفسير على سلوكهم رفضا للحياة بأكملها، وهربا من الوجود الذي لا معنى له، فكان الانتحار هو المخلص لهم من هذا الوجود العبثي.

والعقل السليم يرفض هذا التفسير ويأباه، وليس ذلك من باب المصادرة على آراء الآخرين, وليس من باب وضع العربة أمام الحصان كما يسميها البعض، ولكن القضية أمامنا أشبه بالكتاب المفتوح، فمن أراد أن يقرأ بعقل واعٍ خالٍ من الشبهات فعليه أن يطالع صفحة الكون، وأن يتأمل في كل جزئية منه بدءا من نفسه هو ومن جسمه هو، ومن حبة القمح التي يزرعها ويأكلها، فإنه يجد لا محالة أن كل شيء في الكون موظف لأداء غاية مطلوبة ولحكمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015