وعلم رسول الله بما ارتكبت بكر من انتهاك حرمة البيت ونقض العهد والاعتداء على حلفائه الخزاعين فهب لإنقاذهم، وفتح مكة وأذل الله قريشا وحلفاءهم بكرا، ولكن الرسول منّ عليهم وأطلق سراحهم، فعرفوا بالطلقاء.

وفي سنة ثلاثمائة وسبع عشرة من الهجرة كانت فتنة القرامطة في مكة حيث سفكوا دماء الحجاج وعطلوا الشعائر واعتدوا على بيت الله الحرام، وانتزعوا الحجر الأسود وأخفوه اثنتين وعشرين سنة.

وصال أبو طاهر القرمطي وجال بفرسه حول الكعبة، وكان مخمورا على رواية بعض المؤرخين، واخذ يصيح:

أنالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا 1

ويقول الإسفرائيني عن أبي طاهر سليمان بن الحسن القرمطي: "أنه قتل ثلاثة آلاف مسلم، وأخرج سبعمائة بكر من خدورهن، واقتلع الحجر"2.

فماذا كان مصير هذا المعتدي الأثيم، المنتهك لحرمات بيت الله؟ يقول الإسفرائيني: "في عام ثلاثمائة وثمانية عشر قصد سليمان بن الحسن بغداد، فلما بلغ هيت رمته امرأة من سطحها بلبنة فقتلته"3.

هذا الجبار الذي تحدى أهل مكة واستباح حرمة البيت تقتله امرأة ليكون أحقر قتيل، وأهون فقيد، وهكذا يدافع رب البيت عن بيته.

وعادت للبيت حرمته، وعاد الأمن إلى أهله، وعاش الناس في جواره آمنين لا يروعهم أحد، ولا يعتدي عليهم معتد قرابة ألف وثلاثة وثمانين عاما حتى روعتهم تلك الفتنة العمياء التي غامر بها شباب - أغلب ظني أنهم مخدوعون - لم يتبصروا الأمور، ولم يفكروا في العواقب، خدعتهم فكرة ظهور المهدي، فحسبوا أن هذا أوانه، فلووا أعناق الأحاديث ليا، ليخضعوها لهواهم، وينزلوها على رغبتهم.

ونسي هؤلاء أن المهدي سيكون بين يدي الساعة، وأنه هو المنقذ الذي سيلجأ إليه الناس، ويكرهونه على قبول البيعة، وليس هو الذي يطلب البيعة لنفسه، ونسوا كذلك أن المهدي لن يبايع بقهر السلاح، ونسوا فوق ذلكَ كله أن حرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة، وأن قطرة دم من مسلم تراق بغير حق أعظم جرما من أية جريمة مهما كانت.

وإن الإنسان ليقف أمام تلك الفتنة مذعورا من هولها، حائرا من تدبيرها، على من ينحي باللائمة؟ أعلى هؤلاء الذين علموهم التزمت المقيت وأفهموهم أن الإسلام هو هذه الشكليات، ونفخوا في رؤوسهم أنهم العلماء وحدهم ومن سواهم يجب أن يتتلمذ على أيديهم ويتلقى عنهم، أم على هؤلاء الذين أهملوهم حتى استفحل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015