الثَّلَاثَة فَانْتَفع بِهِ خلائق لَا يُحصونَ ثمَّ عَاد لمَكَّة فِي موسم سنة ثَلَاثِينَ بأولاده وعائلته وأقاربه وأحفاده ليَمُوت بِأحد الْحَرَمَيْنِ فانتعشت بِهِ الْبِلَاد وأغتبط بِهِ الْعباد فَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد أُخْرَى وَألْحق الأحفاد بالأجداد وأجتمع فِيهِ كثير من الْخِصَال الحميدة كالعبادة وَالْعلم والتواضع والحلم وصفاء الْبَاطِن والتقشف وَطرح التَّكَلُّف بِحَيْثُ علم هَذَا من طبعه كل من اجْتمع بِهِ وَلَا زَالَ على جلالته وعظمته إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله

سنة أثنين وثلاثين بعد التسعمائة

سنة أثنين وَثَلَاثِينَ بعد التسْعمائَة 932 هـ

وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع صفر سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ توفّي الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعلم الشهير قطب العارفين وسلطان العاشقين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود بن ابراهيم بن مُحَمَّد السودي الشهير بالهادي اليمني بتعز وقبره مَشْهُور بهَا يزار وَعَلِيهِ قبَّة عَظِيمَة أحد الْأَوْلِيَاء الْكِبَار والمشايخ الْمَشْهُورين فِي الأقطار وَأحد من تنزل عِنْد ذكرهم الرَّحْمَة وَكَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْأَئِمَّة المتبحرين ودرس وَأفْتى ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الجذب وصدرت مِنْهُ أُمُور تدل على أَنه من العارفين بِاللَّه وَرويت عَنهُ كرامات وَله ديوَان مَشْهُور وشعره رائق جدا على طَريقَة أهل التصوف ونظمه هَذَا مَا وَقع إِلَّا بعد الجذب

وَحكي أَنه كَانَ مَا يَقُوله إِلَّا فِي حَال الْوَارِد مثل ابْن الفارض فَكَانَ يكْتب بالفحم فَوق الجدران فَإِذا أَفَاق مُحي مَا كتبه من ذَلِك وَكَانَ فقراؤه بعد أَن علمُوا مِنْهُ ذَلِك يبادرون بكتب مَا وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه بعضه إِلَى بعض

وَحكي أَن بعض المنشدين أنْشد بَين يَدَيْهِ قصيدة من نظمه فطرب لَهَا وتمايل عَلَيْهَا ثمَّ سَأَلَ عَن قَائِلهَا فَقيل أَنَّهَا من نظمك فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ حاشا مَا قلت شَيْئا حاشا مَا قلت شَيْئا وَكَانَ مُولَعا بِشرب القهوة لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَانَ يطبخها بِيَدِهِ وَكَانَ لَا يزَال قدرهَا بَين يَدَيْهِ وَقد يَجْعَل رجله تحتهَا فِي النَّار مَكَان الْحَطب وَكَانَ كلما يَأْتِي إِلَيْهِ من النذورات أَن كَانَ من المأكولات طَرحه فِيهَا أَو من غَيرهَا أَو قد بِهِ تحتهَا كَائِنا مَا كَانَ من ثوب نَفِيس أَو عود أَو غير ذَلِك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015