أصحاب الشهاب أحمد بن أبي الوفا الوفائي المقدم ذكره في الحديث والفقه، ثم زاد عليه في معرفة فقه المذاهب زيادة على مذهبه، فكان يقرئ في المذاهب الأربعة، وسمع ببعلبك وبدمشق على الشهاب أحمد العيثاوي الكبير والشمس محمد الميداني وأفتى مدة عمره، وانتهت إليه رئاسة العلم بالصالحية بعد وفاة الشيخ علي القبردي، وأخذ صاحب الترجمة علم الفقه عن الشهاب أحمد بن علي الوفائي المقدم ذكره وعن أكمل القضاة وأولى الولاة القاضي محمود بن عبد الحميد الحميدي، وكان عالمًا عاملًا ورعًا زاهدًا معمرًا فقيهًا محدثًا عابدًا قطع أوقاته في العبادة والعلم والكتابة والدرس والطلب، حتى مكّن الله تعالى منزلته من القلوب وأحبه الخاص والعام، وكان ربانيًا متألهًا متواضعًا مخفوض الجناح حسن الخُلق والخَلْق والصحبة حلو العبارة كثير التحري في أمر الدين والدنيا منقطعًا إلى الله تعالى، وكان كثيرًا ما يورد كلام الحافظ أبي الحسن علي بن أحمد الزيدي نسبة لزيد بن علي بن الحسين لأنه من ذريته ويستحسنه، وهو قوله اجعلوا النوافل كالفرائض والمعاصي كالكفر والشهوات كالسم ومخالطة الناس كالنار والغذاء كالدواء، وقد عقد هذه المقالة جدي والد والدي الإمام العلامة أبو المعالم شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري بقوله:

اجعلِ النفلَ كالفروضِ وقُرْبَ النّـ ... ـاس كالنَّارِ تنفِ هَمًّا وغمًّا

واجعل الأكلَ كالدوا والمعاصي ... مثلَ كفرٍ وشهوةَ النفسِ سُمًّا

وكان صاحب الترجمة في أحواله مستقيمًا على أسلوب واحد منذ عرف؛ فكان يأتي من بيته إلى المدرسة العمرية في الصباح فيجلس فيها وأوقاته منقسمة إلى أقسام إمّا صلاة أو قراءة قرآن أو كتابة أو إقراء، وانتفع به خلق كثير وأخذ عنه جمع من أعيان العلماء، منهم الإمام المحقق محمد بن محمد بن سليمان المغربي والوزير الكبير مصطفى باشا ابن محمد باشا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015