فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بأقبح المقابلة" (?).

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ثم إن الله -سبحانه وتعالى- خلق القلب للإنسان يعلم به الأشياء، كما خلق له العين يرى بها الأشياء والأذن يسمع بها الأشياء، كما خلق له -سبحانه- كل عضو من أعضائه لأمر من الأمور وعمل من الأعمال. فاليد للبطش والرجل للسعي واللسان للنطق والفم للذوق والأنف للشم والجلد للمس، وكذلك سائر الأعضاء الباطنة والظاهرة" (?)، إلى أن قال: "ثم هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما يُنال به العلم ويُدرك، أعني العلم الذي يمتاز به البشر عن سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه من الشم والذوق واللمس، وهنا يدرك به ما يحب ويكره، وما يميز به بين من يحسن إليه ومن يسيء إليه إلى غير ذلك" (?)، "ثم إن العين تقصر عن القلب والأذن وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص، فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية والمعلومات المعنوية، ثم بعد ذلك يفترقان: فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم هو غذاءه وخاصيته، أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب، فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام، فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم، فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حجية له توصل إليه من الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه. . . ." (?).

ويمكننا استخراج أمر في غاية الأهمية من النص السابق، وهو أن العلوم الدنيوية الحسية ترتبط غالبًا بالعين، ومن هنا جاءت أهمية "الملاحظة والتجربة" للعلوم التجريبية البشرية، وأصبحتا مكوِّنين مهمِّين من مكونات المنهج التجريبي، أما العلوم المعنوية -ولاسيّما الدينية- فهي ترتبط بالأذن والقلب؛ فالأذن طريق الخبر، وتوصله إلى القلب، والقلب إن كان على الفطرة وسلم من الشبهة والهوى وبقية الصوارف تَحَقَّقَ له العلم الأسمى وانتفع به، ومن هنا تأتي أهمية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015