النظرات (صفحة 707)

عصر المدنية والعمل والحركة والنشاط أضنّ بأنفسهم وبأوقاتهم من أن يقفوا الوقفات الطوال أمام بيت من الشعر يعالجون فهمه أو شطر من النثر يعانون كسر صخور ألفاظه عن كوامن معانيه، ولم لا يؤثر أحدهم إن كان يكتب للمنفعة العامة أن يستكثر من سواد المنتفعين بعلمه وفضله أو للشهرة والذكر أن ينتشر له ما يريد من ذلك بين جميع طبقات الأمة عامتها وخاصتها جاهلها وعالمها، وهل الشعر والكتابة إلا أحاديث سائرة يحادث بها الشعراء والكتاب الناس ليفضوا إليهم بخواطر أفكارهم وسوانح آرائهم وخلجات نفوسهم؟ وهل يعني المُتحدث في حديثه شيء سوى أن يعي عنه الناسُ ما يقول وأن يجد بين يديه سامعًا مصغيًا ومقبلًا محتفلًا: وأي فرق بين أن يجلس الرجل إلى جمع من أصدقائه ليقص عليهم بعض القصص أو يفضي إليهم ببعض الآراء فيتلطف في تفهيمهم وإيصال معانيه إلى نفوسهم ويفتن في اجتذاب ميولهم وعواطفهم وبين أن يجلس إلى مكتبه ليبعث إليهم بهذه الأحاديث نفسها من طريق القلم، ولمَ لا يعنيه في الأخرى ما يعنيه في الأولى.

ليس البيان ميدانًا يتبارى فيه اللغويون والحُفاظ أيهم أكثر مادة في اللغة وأوسع اطلاعًا على مفرداتها وتركيبها وأقدر على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015