كثيراً ما كنا نسمع في حداثة سننا بأنّ اللغة العربيّة لغة القرآن وأنّها كلّها إسلامية وقد قرأنا ذلك في بعض كتب الأوربييّن الذين لم يفقهوا الأمر ورمواالكلام على عواهنه ولعلّهم قالوا ذلك لأنّ القرآن أوّل كتاب دوّنه العرب على الرقّ أوالجلد أوالبردي أورقاق العظام. على أنّ اللّغة العربيّة سبقت الإسلام كما المسيحيّ. ثم أثبتنّا فضل النصارى في سبقهم إلى الكتابة العربيّة.

وليست غايتنا هنا أن نتتّبع كلّ مفردات لغتنا الشريفة فنروي ما جاء منها على ألسنة النصارى فإنّ ذلك مستحيل إذ كانت العربيّة مع وفرة لهجاتها واحدة في القبائل النصرانيّة وغيرها كما أنّ لغة النصرانيّ في عهدنا لا تختلف عن لغة المسلم ومع إقرارنا بذلك يمكننا أن نجمع عدّة مفردات وردت في المعجمات العربيّة القديمة دخلت في اللّغة بواسطة نصارى العرب لا سيما شعرائهم. ومجموعهما دليل واضح على تأثير النصرانيّة في لغة أهل الجاهليّة.

وتسهيلاً لبيان الأمر نروي هذه الألفاظ على حسب معانيها مباشرة بالألفاظ الدالّة عليه تعالى وكمالاته وأسمائه الحسنى.

الإسم الكريم وأسماؤه الحسنى في الجاهليّة

إنّ الوثنيّة كانت عمّت قبل المسيح كلّ جهات جزيرة العرب كما سبق لنا بيانه وشهدت عليه المآثر المتعددّة. فإن وجدنا فيها ديانة التوحيد ووصف كمالاته تعالى وألفاظاً دالّة على ذلك بعد المسيح فلا بدّ من القول أنّ العرب الذين فاهوا بها كانوا موّحدين فهم إمّا يهود وأمّا نصارى وعلى الأقلأنّهم استعاروها من أولئك الموّحدين. على أنّنا نعرف الجهات التي كان يسكنها اليهود في جزيرة العرب أمّا النصارى فكانوا منبثّين في كلّ أنحائها فيجب القول بأنّ هذه الألفاظ هي غالبً للمسيحيين دون اليهود.

"الله تعالى" لا مراء بأنّ اسمه عزّ وجلّ كالإله الحقّ سبحانه وتعالى قد سبق عهد الإسلام وشاع في كلّ أنحاء العرب وقد وجده صاحب الشريعة الإسلاميّة مكرمّماً معظمّاً بين أبناء جنسه المكييّن فهو يكرّر اسمه في القرآن كالإله العظيم الذي ليس فوقه إله وإن كان بعض منهم يشركون به آلهة غيره دونه رتبة أمّا اشتقاق هذا الإسم فلم يتّفق عليه كتبة العرب وقد زعموا غالباً أنّه عربيّ الأصل وأنّه مركّب من لفظة إله مسبوقة بأل التعريف كأنّه "الإله" اختروه بالله.

أمّا علماء اللّغات الساميّة فيجمعون على أنّ هذا الإسم مشتق من أصل آرامي "ايل" مفخّم بزيادة الهاء فجاء في الكلدانيّة والسريانيّةعلى صورة آلها"كتابة سريانية" فقالوا بالعربيّة الله بلام أصليّةمفّخمة. وقد جاء الإسم الكريم في الكتابات النبطيّة والصفويّة فالنبطيّة ذكرته منسوباً إليه كزيد الله وعبد الله وتيم الله وورد في الكتابات الصفويّة منفرداّ. ولمّا كانت النصرانيّة دخلت إلى بلاد العرب خصوصاّ من جهات الشام وتمكّنت بين أحياء النبط أطلقوا إسم الله في لهجتهم على الإله الحقّ.

كما شاع بين طوائف السريان ونشروه في أسفار العهدين القديم والحديث منذ أوئل القرن الثاني للمسيح. وخلاصةالقول أنّ اسم الله دخل في جزيرة العرب بنفوذ النصرانيّة خصوصاً. وعليه قد تكرّر هذا الاسم الكريم في الشعر الجاهلي الذي كان معظمه لشعراء نصارى من قبائل نصرانيّة كربيعة وبكر وإياد وغيرهم. ولا نرى حاجة إلى ذكر أمثلة عديدة لهذه الحقيقة لثباتها وكثرة استعمال اسم الله في الشعر الجاهليّ أمّا بقيّة آلهة العربفقلّ ما ورد ذكرها إذ كانت الديانة الوثنية قد تقلّص ظلّها قبل ظهور الإسلام. وكفى بإيراد أقوال بعضهم في الاسم الكريم على صورتيه "الله" أو"إله" قال زيد بن عمرو "عن رواية عن ابن هشام":

إلى الله أهدي مدحتي وثنايا ... وقولاً رصيناًلا يني الدهرَ باقيا

إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقهُ ... إلهٌ ولا ربٌّ يكون مدانيا

رضيتُ بك اللهمَّ ربَّاً فلن أُرى=أدين إلهاً غيرك اللَّه ثانيا وقال الأعشى:

وذا النُّصب المنصوبِ لا تسكننَّهُ ... ولا تعبدِ الأوثان والله فاعبدا

وقال بعض الإياديين:

ونحن إيادٌ عبيدُ الإله ... ورهطُ مناجيهِ في السّلّم

وقال أمية بن أبي الصلت:

إلهُ العالمين وكلّ أرضٍ ... وربُّ الراسياتِ من الجبالِ

ويقرب من اسم الإله اسم الربّ كقول بن أوس بن حجر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015