على أن وجود النصارى في المدينة قبل الإسلام وفي أوائل ظهوره لمن الأمور التي لا يمكن نكرانها، لأن النصارى كانوا بلغوا أقاصي تخوم العرب فما قولك بالبلاد المجاورة لممالك الروم، وهذا ما أقربه المستشرقون في كتبهم الحديثة، قالأحد أئمتهم فلهاوزن "أن محمداً وجد الطريق ممهدة في المدينة بواسطة اليهودية والنصرانية لأن هناك كان يهود كثيرون ثم لوقوع المدينة على حدود الرومان واليونان وتحت نفوذ النصارى الآراميين". ومثله قال هوتويغ درنبورغ لموسوي من أساتذة اللغات الشرقية في باريس المتوفى سنة 1910: "كان للنصرانية تبعة متعددون في جزيرة العرب فكانت مالكة على شمالها بدولتي الحيرة وغسان وعلى وسطها في المدينة وعلىجنوبها بأسقفيات اليمن".

وقي النصارى في يثرب حتى بعد وفاة نبي الإسلام كما يدل عليه قول حسان ابن ثابت في داليه التي رثى بها محمداً (طبعى ليدن Hischfeld,p.59) :

فرحت نصارى يثرب ويهودها ... لما توارى في الضريح الملحدِ

ولعل النصارى واليهود بقوا في المدينة إلى عهد عمر بن الخطاب الذي أخرج لفريقين من جزيرة العرب استناداً إلى ما روى في الحديث: "لأخرجن النصارى واليهود من جزيرة العرب".

ولما أراد الوليد بن عبد الملك سنة 88هـ? (707 م) أن يجدد عمارة المسجد الكبير المعروف بمسجدا لنبي في المدينة كان بنائه من نصارى الروم والقبط كما روى المؤرخون، وأخبر الطبري (2: 117) : "أن ملك الروم بعث إليه بمائة عامل ومائة ألف مثقال ذهب وأربعين حملاً من الفسيفساء فبنوا المسجد وجعلوا طوله مائتي ذراع" وقبل أن بعض المدنيين لم يستحسنوا العمل إذ رأوا شبيهاً بكنيسة.

"مكة" كما عرفت النصرانية في يثرب ف هد الجاهلية كذلك نالت ومكة نصيباً من ذلك الدين، وها نحن ننقل ما رواه قدماء الكتبة إثباتاً لهذا الرأي.

قدمنا في أول الفصل ما أثبته المؤرخون اليونان والسريان والعرب عن الدعوة النصرانية في الجاز إجمالاً، ومكة في الحجاز بل حاضرة الحجاز فبديهي أن يقال أ، الدين المسيحي دخل أيضاً مكة كسواها فمن الجهات الحجازية، وأن قيل أن مكة واقعة في أقاصي الحجاز أجبنا أ، كلام الكتبة يشمل كل جهات العرب حتى أقصاها، قال تاودوريطوس المؤرخ الكنيسي (في القرن الخامس للمسيح عن القيصر فالنس أنه لما اضطهد الكاثوليك فرقهم في كل البلاد حتى نفى منهم كثيرين في أقاصي تخوم العرب (per ultimos fines صلى الله عليه وسلمrabiae) .

وأقدم ما رواه كتبة العرب صريحاً عن النصرانية في مكة ما ورد في أثناء تاريخ جرهم لثانية قالوا أن جرهم استولوا بعد بني إسماعيل عل الحجاز وصارت إليهم سدانة بيت الحرام في مكة ومفاتيح الكعبة أما زمن دولة بني جرهم فل يتفق الكتبة في تعريفه والعلماء والأوربيون يجمعون على أن جرهم الثانية قامت قبل تاريخ الميلاد بقليل، ومن عجيب ما رواه مؤرخو العرب كابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء (وغيرهم أن سادس ملوك ما رواه جريهم يدعى اسم نصراني وهو عبد المسيح بن باقية بن جرهم، فمنه يتعين أن النصرانية دخلت مكة قبل بني الأزد وتغلب بني خزاعة أعني بعد موت المسيح بزمن قليل، وهذا يوافق نصوص الكتبة المروية مسبقاً عن تبشير رسل المسيح في الحجاز.

وفي كتاب لأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (13: 109) أن بيت الحرام كان له في عهد بني جرهم (خزانه وهي بئر في بطنه يلقى فيه الحلى والمتاع الذي يهد له وهو يومئذٍ لأسقف عليه) فقوله: "أسقف" يريد به حبر النصارى المعروف.

وهو إثبات لما روى مؤرخو العهرب عن نصرانية الملك الجرهمي عبد المسيح بن باقية.

ولنا في كتب العرب دليل يثبت انتشار النصرانية في كة قبل الإسلام وذلك في أقدم تواريخ مكة الذي عنونه "كتاب أخبار مكة شرفها الله تعالى وما جاء فيها من الآثار تأليف ابن الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي" المطبوع في ليبسيك (ed.wustenfeld.110-112) أنه كانت في دعائم الكعبة "صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائمة وصورة إبراهيم خليل الرحمان وصورة عيسى ابن مريم" قال ما حرفه (ص111) : "فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيت فأرسل الفضل بن العباس ابن عبد المطلب فجاء بماء وزمزم ثم أمر بثوب فبل بالماء وأمر بطمس تلك الصور فطمست.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015