(الردافة) هي من العادات التي أتخذها العرب من الأمم النصرانية المجاورة لهم وهي كالوزارة شاعت عند ملوك الحيرة وملوك غسان النصارى. (قال في التاج 6: 115) : كانت الردافة في الجاهلية لبني يربوع لأنه لم يكن في العرب أحد أكثر غارة على ملوك الحيرة من بني يربوع فصالحوهم على أن جعلوا لهم الردافة ويكفوا عن أهل العراق الغارة ... فال جرير وهو من بني يربوع:

ربعنا وأردفنا الملوكَ فظلَّلوا ... وطاب الأجاليب الثمامَ المنزَّعا

وقال المبرد (الكامل 763) : "للرادفة موضعان أحدهما أن يردفه الملوك دوابهم في صيد والآخر لأن يخلف الملك إذا قام عن مجلسه فينظر في أمر الناس. (قال) كان الملك يردف خلفه رجلاً شريفاً وكانوا يركبون الإبل وأرداف الملوك هم الذين يخلفونهم في القيام بأمر المملكة بمنزلة الوزراء في الإسلام وأحدهم ردف والاسم الردافة كالوزارة". وقد ذكر ياقوت في معجم البلدان (3: 518) في مادة طخفة اليوم المنسوب إلى هذا المكان بين بني يربوع وجيش ملك الحيرة لما أراد بعد موت ردفه عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع أن ينقل الرادفة إلى غيرهم فأبت بنو يربوع ذلك ورحلت فنزلت طخفة وبعث الملك إليهم جيشاً فيه قابوس ابنه وابن له آخر وحسان أخوه فانتصر عليهم يربوع وبقيت الردافة فيهم.

(العمامة) تنعت العمامة عند العرب بتاجهم. وقد وصفها أبو الأسود الدولي بقوله: العمامة جنة في الحرب ومكنة من الحر ومدفأة من القر ووقار في النوادي وزيادة في القامة وهي تعد ميزة سادة العرب: قالت الخنساء في أخيها:

فارسُ الحرب والمعمَّم فيها ... مدرهُ الحرب حين تلقى نطاحا

وقد شاعت العمامة خصوصاً بين نصارى اليمن والعرق: ومما يروي صاحب الأغاني في خبر أساقفة نجران مع نبي الإسلام أنهم كانوا "من السادة المعممين" وترى إلى يومنا العمامة من مميزات كهنة وأساقفة وبطاركة الكلدان في العراق وجهات ما بين النهرين.

الفصل الثالث عشر

الشعر النصراني وشعراء النصرانية بين عرب الجاهلية وأول الإسلام هذا آخر من كتابنا "النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية" نختم به القسم الثاني منه المختص بآداب النصرانية. وقد أجلناه إلى آخر الكتاب لنجعل كل ما سبق كتوطئة له إذ كان غرضنا أن نبين نصرانية معظم الشعراء الذين سبقوا الإسلام.

1 أصل الشعر العربي

زعم بعض الثرثارين المتفيهقين أن الشعر العربي سبق الإسلام بميئين من السنين بل سبق ميلاد السيد المسيح بأجيال عديدة حتى نسبوا منه نتفاً إلى زمن نبي يدعونه هودا يزعمون أنه عاش قبل إبراهيم الخليل في الألف الثالث قبل المسيح. وتوغل غيرهم في غلوهم وأوهامهم فرووا لآدم أبي البشر أبياتاً رثى بها على رأيهم ابنه هابيل القتيل فعارضه فيها إبليس الرجيم.

تلك مزاعم يضحك منها العلماء ويشرب بها الحائط كل من له أدنى إلمام بتاريخ اللغات عموماً واللغة العربية خصوصاً.

وقد ارتأى البعض أن سفر أيوب المورود في التوراة عربي الأصل عربي اللهجة والتصورات شعري الصورة وقد استوطن أيوب صاحبه غربي جزيرة العربية في البثنية وضمن آياته كثيراً من التشابيه والأوصاف الشائعة بين العرب كذكر النجوم ووصف الخيل وغير ذلك. نجيب على هؤلاء أن في هذا الرأي نظراً لأسباب منها أن سفر أيوب لا يعرف منه منذ نحو ثلاثة آلاف سنة غير ترجمته العبرانية ثم ليس لدينا حجة قاطعة يمكننا أن نستند إليها لنثبت كتابته في لغة أخرى فإن مضامين هذا السفر والتقليد اليهودي القديم لا يذكران شيئاً من ذلك. وعلى كل حال إذا صح قول العلماء بأن سفر أيوب كتب بالأصل في العربية فلا شك أن تلك العربية كانت مختلفة عن عربيتنا التي هي لهجة بعض قبائل الحجاز لهجة قريش التي لم تشع إلا بعد قرون عديدة. ولعلها النبطية أو لغة أخرى أقرب إلى الآرامية منها إلى العربية. ومن ثم ليس من الممكن الاستناد إلى هذه اللغة المزعومة لنجعلها أصل شعرنا العربي في الوقت الحاضر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015